فلما سمعها عدي بن حاتم رضي الله عنه وكان في
الجَاهِليَّة نصرانيًّا - قال: يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم. وظن أن العِبَادَة
مقصورة على الصَّلاة والركوع والسجود، فقال له صلى الله عليه وسلم: «أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ
فَتُحَرِّمُونَهُ، وَيُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَتُحِلُّونَهُ؟» قَالَ:
قُلْتُ: بَلَى! قَالَ: «فَتِلْكَ
عِبَادَتُهُمْ!» ([1]).
وهنا
يقول: ﴿وَإِنۡ
أَطَعۡتُمُوهُمۡ﴾ [الأنعام:
121]، يعني: في استحلال المَيتَة، ﴿إِنَّكُمۡ لَمُشۡرِكُونَ﴾
[الأنعام: 121] وهذا شركٌ أكبر، فمن أطاع غير الله في تحليل ما حرَّم اللهُ أو
تَحرِيم ما أحل الله وهو يعلم أنه مخالف لتشريع الله، فإنه مشركٌ الشِّرك الأكبر،
أما من قلّده وظنَّ أنه على حق وهو لا يدري أنه قد استحلَّ ما حرَّم اللهُ فهذا لا
يكفر الكُفْر الأكبر، ولكنه مُقَصِّر حيث لم يَسأَل ولم يتثبت، أما من علم أنه
يُحل ما حرَّم اللهُ ويُحرم ما أحَلَّ الله، ثم يطيعه، فهذا مشرك الشِّرك الأكبر.
فدلّ
ذلك على أن التَّحلِيل والتَّحرِيم عِبَادَة، فمن أحلَّ ما أحل الله وحرّم ما
حرَّم اللهُ فقد أطاع الله وعبْد اللهِ، ومن عَكَسَ وأطاع غير الله في ذلك فقد
أشرك بالله عز وجل.
فمن أطاع المُشْركين في تغيير الأحكام الشَّرعية عما هي عليه فقد أشرك ولو كان خَائِفًا منهم؛ لأن الخَوْف لا يجيز له ذلك، بل يجب عليه أن يصبر على أذاهم، إلا إذا وصل إلى حدِّ الإِكرَاه،
([1]) أخرجه: الترمذي رقم (3095)، والطبراني في ((الكبير)) (218).