وَلَئِن قُوتِلُواْ لَا
يَنصُرُونَهُمۡ وَلَئِن نَّصَرُوهُمۡ لَيُوَلُّنَّ ٱلۡأَدۡبَٰرَ ثُمَّ لَا
يُنصَرُونَ ١٢﴾ [الحشر: 11- 12]، هذا
إخبارٌ من الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بني النضير لما نقض بنو
النضير عهدهم مع الرَّسُول صلى الله عليه وسلم، فحاصرهم صلى الله عليه وسلم حتَّى
استسلموا على الجلاء من المَدينَة، وترك أموالهم إلا ما خفّ منها، وصارت غنيمةً
للمُسْلمين.
واليَهُود
لا يُستغرب منهم الخيانة ونقض العُهُود؛ لأن هذا هو المعروف عنهم - إلا من شاء
الله منهم - لكن المستغرب أن هَؤُلاءِ الذين يدّعون الإِسْلام، ويشهدون أن لا إله
إلا الله وأن مُحمَّدًا رسول الله، وينتسبون إلى جماعة المُسْلمين، كيف انضموا إلى
الكفَّار عندما حدثت هذه الحَادثة؟ لا لشيءٍ إلا لأنهم يحبون الكفَّار ويُبغضُون
الرَّسُول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويُبغضُون الإِسْلام.
الله
جل وعلا أراد أن يُظهر ما في قُلُوبهم ويفضحهم، وإلا فهم آمنون ولم يأتهم خَوْف،
وليس لهم ما يبررون به موقفهم، إلاّ أنهم ليس في قُلُوبهم وفَاء، ويفرحون بمثل هذه
النوازل لينتقموا من المُؤْمِنين، وهكذا الحوادث تميز المُؤْمِن الصَّادق في
إِيمَانه من المنافق.
قال
تعَالى: ﴿أَلَمۡ
تَرَ﴾ [الحشر: 11] أي: قد رأيت يا
رسول الله، وهذا استفهام تقرير ﴿إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ﴾
[الحشر: 11] أظهروا الإِسْلام وأبطنوا الكُفْر، أو أظهروا الخير وأبطنوا الشر، والنِّفَاق:
هو إِظهَار الإِسْلام وإبطان الكُفْر، فيكون باطن الإِنْسَان مخالفًا لظاهره، وهذا
النِّفَاق داءٌ وبيل، وينقسم إلى قسمين: