وصلى
الله على مُحمَّد وعلى آله وصحبه وسلم.
****
قوله
صلى الله عليه وسلم: «مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ» يعني: اجتمع معه في بلده، «وَسَكَنَ مَعَهُ»؛ لأنه إذا صار مَعهُم
سيشاركهم في كفرهم ويناله منهم ما يناله، أو مظنة أنه يشاركهم، حتَّى ولو تمنَّع
في بداية الأَمر فإنه ينساح مَعهُم في النهاية، ويفعل ما يفعلون، وإن سلم هو منهم
فلن يسلم أَولاَده؛ لأن نشأتهم بين المُشْركين تجعلهم يستسهلون ما يفعلون.
ولذلك
فإن المسلم إذا قدر على الهِجرَة فإنه يؤمر بها فرارًا بدينه، ومن لم يُهاجر مع
القدرة فقد توعَّده الله بالوَعِيد الشَّدِيد، قال تعَالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ
تَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمۡۖ قَالُواْ
كُنَّا مُسۡتَضۡعَفِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ قَالُوٓاْ أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٗ
فَتُهَاجِرُواْ فِيهَاۚ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَسَآءَتۡ
مَصِيرًا ٩٧إِلَّا ٱلۡمُسۡتَضۡعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلۡوِلۡدَٰنِ
لَا يَسۡتَطِيعُونَ حِيلَةٗ وَلَا يَهۡتَدُونَ سَبِيلٗا ٩٨فَأُوْلَٰٓئِكَ عَسَى ٱللَّهُ
أَن يَعۡفُوَ عَنۡهُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوًّا غَفُورٗا ٩٩﴾ [النساء: 97- 99]، مع تمسكهم بدينهم وإِظهَارهم لدينهم،
فإذا كانوا عاجزين وهم متمسكون بدينهم وعقيدتهم عسى الله أن يعفو عنهم نظرًا
لعذرهم.
فلا
يَجُوز للمسلم أنه يقيم في بِلاَد الكفَّار اختيارًا ولا يقدر على الهِجرَة، فإن
تأخر فهو مُتوعَّد بالوَعِيد في قوله تعَالى: ﴿فَأُوْلَٰٓئِكَ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَسَآءَتۡ
مَصِيرًا﴾ [النساء: 97]، وفي قوله
تعَالى: ﴿قُلۡ
إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ﴾
[التوبة: 24] إلى آخر الآية من سورة التوبة، فالذي يترك الهِجرَة لأجل هذه
الأَشيَاء فإنه يكون قد قدم محبَّة هذه الأَشيَاء على محبَّة الله ورسوله، فيبقى
بين الكفَّار لمحبته لهم، وصاروا أحب إليه من رضا الله عز وجل ومن اتباع الرَّسُول
صلى الله عليه وسلم.