كلام ابن عباس رضي الله
عنهما هذا قاله بمناسبة أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لا يريان فسخ الحج إلى
العمرة، الذي أَمَر به النبي صلى الله عليه وسلم.
فكان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، الخليفتان الراشدان أفضل هذه الأمة -
يريان الإفراد، ولا يريان العمرة في أشهر الحج؛ من أجل ألا تنقطع الزيارة عن
البيت؛ لأن الناس إذا اعتمروا في أشهر الحج لا يأتون بقية السنة، فيُهجَر البيت،
فرأيا المنع من فسخ الحج إلى العمرة من أجل أن تكون الزيارة للبيت مستمرة.
وهذا اجتهاد منهما رضي الله عنهما، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أَمَر
بفسخ الحج إلى العمرة لمن لم يَسُقِ الهَدْي.
فلما كان اجتهاد الخليفتين مخالفًا لنص الرسول صلى الله عليه وسلم، أَنكر
ابن عباس على من رأى رأيهما هذا الإنكار الشديد، فقال: «أَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ».
يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما طاف بالبيت في حجة الوداع -
أَمَر مَن لم يَسُقْ معه الهَدْي أن يفسخ الحج إلى عمرة، ويكون متمتعًا. وأما مَن
ساق الهَدْي فيبقى على إحرامه إلى أن يَذبح هديه.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن ساق الهَدْي، فبقي على إحرامه قارنًا، وتأسف عليه الصلاة والسلام وقال: «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلاَ أَنَّ مَعِي الهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ» ([1])، فدل هذا على أن فسخ الحج إلى العمرة في أشهر الحج - أفضل لمن لم يَسُقِ الهَدْي.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (7229)، ومسلم رقم (1211).