فليس بعد حكم الإسلام إلا حكم الجاهلية، أمران لا ثالث لهما: إما حكم
الإسلام، وإما حكم الجاهلية.
والجاهلية المراد بها: ما قبل الإسلام، وهو ما كان عليه أهل الجاهلية من
تحكيم الكهان، وتحكيم الأعراف والعادات القَبَلية من غير شرع مُنَزَّل.
فالذين لا يَحكمون بالقرآن يريدون حكم الجاهلية، وكل ما أضيف إلى الجاهلية
- مثل: حكم الجاهلية، وتبرج الجاهلية، وحَمِية الجاهلية - مذموم ومنهي عنه، ومن
ذلك حكم الجاهلية الذي كانوا يتحاكمون إليه قبل نزول القرآن، فقد كان لكل قبيلة
كاهن يَحكم بينهم، أو أعراف وعادات قَبَلية يرجعون إليها. فمَن رَجَع إليها وحَكَم
بها، فقد حَكَم بحكم الجاهلية.
قوله: ﴿وَمَنۡ أَحۡسَنُ
مِنَ ٱللَّهِ حُكۡمٗا لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ﴾ هذا استفهام
استنكاري بمعنى النفي، أي: ليس من أحد أحسن حكمًا من الله؛ لأن الله هو الذي خَلَق
الخلق، ويعلم مصالحهم، ويعلم ما يضرهم، فهو يَشْرَع لهم ما يصلحهم وهو أعلم بذلك
سبحانه وتعالى.
أما الخَلْق فإنهم قاصرون، وتَدخلهم الأهواء والرغبات، فتأتي أحكامهم إما
باطلة وإما ناقصة لا تفي بالحاجة.
لكن حُكْم الله تام وعَدْل، وصالح لكل زمان ومكان.
فالذي يَدَّعِي أن الحكم بالنظام الفلاني أو القانون الفلاني فيه مصالح، أو
أنه حسن - فهذا يعارض قول الله عز وجل: ﴿وَمَنۡ
أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكۡمٗا لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ﴾ لأنه يزعم أن هناك
ما هو أحسن من حكم الله؛ لأنه لو كان ما يرى أن هذا أحسن من حكم الله لما أَخَذ
به، ولَمَا حَكَم به، ولَمَا دعا إليه.