بل يبعدهم نهائيًّا عن الحق، بحيث لا يرجعون إليه. فهو لا يكتفي بالضلال
اليسير، هذا هو الذي يريده لهم.
فشياطين الجن والإنس لا يريدون للمسلمين أن يتحاكموا إلى الشرع، وإنما
يريدون الحكم بغير ما أَنزل الله، ويَدْعون إلى ذلك دائمًا وأبدًا، وهذا ديدنهم.
ومنهم المنافقون الذين ادَّعَوُا الإسلام ظاهرًا وهم على الكفر باطنًا؛
ولهذا قال عز وجل: ﴿يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ
آمَنُوا﴾، والزعم: هو الكذب. فهم يَدَّعُون أنهم آمنوا، ولكنهم
كاذبون في ذلك.
وفي هذا دليل على أن مَن يريد التحاكم إلى الطاغوت أنه ليس بمؤمن، وإن زعم
أنه مؤمن فهذا زعم كاذب.
قوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ
لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ﴾ إذا أُمِروا
بالتحاكم إلى القرآن والسُّنة ﴿رَأَيۡتَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ﴾ الذين يَدَّعُون
الإيمان وهم كاذبون ﴿يَصُدُّونَ عَنكَ
صُدُودٗا﴾ يعني: يُعْرِضون عمن يدعونهم إلى الكتاب والسُّنة.
وهذا ليس خاصًّا بالمخاصمات، بل هو عام في كل ما تنازع فيه الناس، سواء أكان خلافًا
في الفقه أم خلافًا في العقيدة، أم في المقالات، أم في المناهج والأحزاب. إذا قيل
للمخالفين: تعالَوْا إلى ما أَنزل الله وإلى الرسول رأيت إعراضًا كاملاً، كما
وصفهم الله عز وجل بذلك.