ثم أورد حديثًا عن قُتَيْلة بنت صَيْفي الأنصارية: «أَنَّ يَهُودِيًّا» أي: واحدًا من اليهود. واليهود: أمة التوراة
المنتسبة إلى موسى عليه السلام، فهم يُنسبون إلى اليهودية نظرًا إلى الأصل، فيقال
لهم: اليهود. ويُعامَلون معاملة أهل الكتاب، وإن كان عندهم انحرافات وضلالات،
وكفريات وشركيات، لكن لا يمنع هذا أن يُسَمَّوا باليهود.
واليهود معروفة عداوتهم للرسول صلى الله عليه وسلم وللمسلمين، لكنهم
يتصيدون على المسلمين الأخطاء ولو كانت صغيرة.
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحق، ولو كان الذي جاء به من ألد
أعدائه! فهذا اليهودي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «تَقُولُونَ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ، وَتَقُولُونَ: وَالْكَعْبَةِ»
أي: تحلفون بغير الله. وتقولون: «مَا
شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ»، فتجمعون بين الخالق والمخلوق في المشيئة وتشركون
بينهما؛ لأن الواو تقتضي التشريك.
فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ما قال، واعتبر هذا شركًا، ونهى أمته
عن ذلك، ولم يقل: كذلك أنتم يا معشر اليهود عندكم كذا وكذا!! لأن ما قاله حق، وما
دام حقًّا فإننا نقبله، ونُعَدِّل الخطأ الذي عندنا، ولو أتى الحق على لسان عدو
لنا؛ لأن الحق ضالة المؤمن.
«فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ
صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْلِفُوا أَنْ يَقُولُوا: وَرَبِّ
الْكَعْبَةِ، وَيَقُولُونَ: مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ شِئْتَ»؛ لأن «ثم» تقتضي الترتيب والتعقيب، فتكون
مشيئة المخلوق بعد مشيئة الخالق. وهذا كما في قوله عز وجل: ﴿وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ
أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾ [التكوير: 29]،
فجعل مشيئة المخلوق بعد مشيئة الخالق عز وجل، وليست مُشارِكة لمشيئة الله،