وهناك فرق بين التأذي والتضرر: «التأذي» يحصل بالنسبة لله عز وجل. وأما «التضرر» فهو محال أن يلحق بالله عز وجل ضرر من عباده، قال الله عز
وجل: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ
وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَشَآقُّواْ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا
تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَىٰ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡٔٗا وَسَيُحۡبِطُ
أَعۡمَٰلَهُمۡ﴾ [محمد: 32]، فهم لا يضرون الله بسيئاتهم وذنوبهم، وإنما
يضرون أنفسهم. لكن الله سبحانه يتأذى بالأشياء التي لا تتناسب مع جلاله وعظمته؛
لأنه يكرهها ويبغضها.
ثم ساق المصنف رحمه الله قول الله عز وجل: ﴿وَقَالُواْ
مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا نَمُوتُ وَنَحۡيَا وَمَا يُهۡلِكُنَآ
إِلَّا ٱلدَّهۡرُۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِنۡ هُمۡ إِلَّا
يَظُنُّونَ﴾ [الجاثية: 24].
هؤلاء هم مشركو العرب، ينكرون البعث، وإن كانوا يُقِرون بالربوبية وأن الله
هو الخالق الرازق المحيي المميت المدبر، يُقِرون بتوحيد الربوبية ويعبدون الله في
بعض العبادات، ولكنهم يشركون به معه غيره. وأيضًا جمعوا إلى الشرك إنكار البعث.
وهذا كثير في القرآن، يَذكر الله في المشركين أنهم ينكرون البعث
ويستبعدونه، ويستنكرون أن يحيي الله العظام إذا تَفَتَّتَتْ وضاعت وصارت رميمًا،
قال عز وجل: ﴿وَقَالُوٓاْ
أَءِذَا كُنَّا عِظَٰمٗا وَرُفَٰتًا أَءِنَّا لَمَبۡعُوثُونَ خَلۡقٗا جَدِيدٗا﴾ [الإسراء: 49].
يستنكرون أن تعود العظام إذا تَفَتَّتَتْ وتكسرت مرة ثانية، ونَسُوا أنه
سبحانه هو الذي خلقهم من عدم، فالذي قَدَر على ابتداء الخلق من عدم قادر من باب
أَوْلى على إعادته مرة أخرى، قال عز وجل: ﴿وَهُوَ ٱلَّذِي
يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ وَهُوَ أَهۡوَنُ عَلَيۡهِۚ﴾ [الروم: 27].
الإعادة أهون في نظر أصحاب العقول، وإلا فإن الله عز وجل ليس شيء عليه عسير، لكن
هذا من باب ضرب المثل للعقول.