ثم ذَكَر سبب نزول هذه الآية، وهو ما حصل في غزوة تبوك، وهي آخر غزوة غزاها
رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكانت تتصف بالشدة من ناحية بُعْد المسافة؛ لبُعْد
تبوك عن المدينة. ومن ناحية الوقت؛ لأنها كانت في وقت الصيف في شدة الحر ووقت طيب
الثمار، وهم متشوقون إلى الثمار. فالله أراد أن يختبر المؤمنين؛ ليَظهر المؤمن من
المنافق، فجاءت غزوة تبوك مُمتحِنة الناس حكمةً من الله سبحانه وتعالى.
وكذلك لم يكن العدو فيها هينًا سهلاً، إنما خرج النبي صلى الله عليه وسلم
في هذه الغزوة لملاقاة الروم، والروم كان عندهم بأس وقوة.
فهذه الغزوة اجتمعت فيها شدائد كثيرة، منها:
أولاً: أنها بعيدة المسافة، قال عز وجل في حق المنافقين الذين تخلفوا عن هذه
الغزوة: ﴿لَوۡ كَانَ
عَرَضٗا قَرِيبٗا وَسَفَرٗا قَاصِدٗا لَّٱتَّبَعُوكَ وَلَٰكِنۢ بَعُدَتۡ
عَلَيۡهِمُ ٱلشُّقَّةُۚ﴾ [التوبة: 42].
ثانيًا: أنها كانت في وقت شديد الحر، قال عز وجل عن المنافقين: ﴿وَقَالُواْ لَا تَنفِرُواْ
فِي ٱلۡحَرِّۗ قُلۡ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّٗاۚ لَّوۡ كَانُواْ يَفۡقَهُونَ﴾ [التوبة: 81].
ثالثًا: أنها كانت في موسم طيب الثمار، والناس بحاجة إلى جمع الثمار والأكل منها؛
لأنهم أهل جوع وأهل فاقة.
رابعًا: أنهم خرجوا لملاقاة عدو شديد البأس، فقد كانت الروم أكبر دولة على وجه
الأرض في ذلك الوقت.
وقد بَلَغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن الروم يُعِدون العُدة لغزو
المسلمين، فبادر عليه الصلاة والسلام قبل أن يأتوا، وصرح لأصحابه بالغزوة، وكان في
الغزوات التي قبلها