لا يبين لهم وجهته، فكانوا
يَخرجون معه ولا يدرون أين يذهبون، إلا هذه الغزوة، فقد صرح بأنه يريد الروم، وأن
وِجهته إلى تبوك.
فعند ذلك تخاذل المنافقون:
فمنهم مَن اعتذر ولم يخرج مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يكن له عذر
إلا الخوف من الروم، والرغبة في الراحة والظل، والأكل من الثمار، وعدم تجشم
المشقة، قال عز وجل: ﴿وَمِنۡهُم مَّن
يَقُولُ ٱئۡذَن لِّي وَلَا تَفۡتِنِّيٓۚ أَلَا فِي ٱلۡفِتۡنَةِ سَقَطُواْۗ وَإِنَّ
جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ﴾ [التوبة: 49]، ﴿وَلَوۡ أَرَادُواْ ٱلۡخُرُوجَ
لَأَعَدُّواْ لَهُۥ عُدَّةٗ وَلَٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنۢبِعَاثَهُمۡ فَثَبَّطَهُمۡ
وَقِيلَ ٱقۡعُدُواْ مَعَ ٱلۡقَٰعِدِينَ﴾ [التوبة: 46].
ومنهم من خرج مع الرسول صلى الله عليه وسلم وحصل منه ما حصل، مثل ما ذَكَر
الله في هذه الآية.
وأما أهل الإيمان فلم يترددوا في الخروج مع الرسول صلى الله عليه وسلم،
خرجوا طيبة نفوسهم مغتبطين، صابرين محتسبين. فتميز المؤمن من المنافق.
فأنزل الله سورة التوبة، والتي تسمى: «الفاضحة»
لأنها فضحت المنافقين وهتكت أستارهم. فهي سورة عظيمة بينت ضغائن المنافقين، إذا
قرأتها تجد فيها العجب العُجاب. وأثنى الله فيها على المؤمنين ثناءً عظيمًا،
ووَعَدهم بعظيم الأجر والثواب، هؤلاء هم الذين صَدَقوا مع الرسول صلى الله عليه
وسلم، ولم تَثنهم المشقة ولا قوة العدو وشدة بأسه.
ولما عَلِم الروم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج إليهم، وأنه نزل في
تبوك بمن معه من المسلمين، أصابهم الرعب فلم يتحركوا من مكانهم.