فأتى عوف بن مالك مسرعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليبلغه بما قاله
المنافق، فوجد الوحي قد سبقه، وأنزل الله على رسوله هذه الآية: ﴿وَلَئِن سَأَلۡتَهُمۡ
لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلۡعَبُۚ قُلۡ أَبِٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ
وَرَسُولِهِۦ كُنتُمۡ تَسۡتَهۡزِءُونَ﴾ [التوبة: 65].
فلما حصلت هذه الحادثة أَمَر النبي صلى الله عليه وسلم بالرحيل؛ لأجل أن
يُفْسِد الخطة على المنافقين.
وعَلِم هذا الرجل الذي تكلم في حق النبي وأصحابه بأن الرسول صلى الله عليه
وسلم بَلَغه الخبر، فجاء إليه ليعتذر ويقول: ﴿إِنَّمَا
كُنَّا نَخُوضُ وَنَلۡعَبُۚ﴾، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يلتفت إليه، ولم يَزد
على أن يقول له: ﴿قُلۡ أَبِٱللَّهِ
وَءَايَٰتِهِۦ وَرَسُولِهِۦ كُنتُمۡ تَسۡتَهۡزِءُونَ﴾، فما زال هذا الرجل
متعلقًا بنِسْعة ناقة الرسول صلى الله عليه وسلم يعتذر، والرسول صلى الله عليه
وسلم لا يلتفت إليه، ولا يَزيد على تلاوة الآية الكريمة.
وقد كانت هذه المقولة من رجل واحد، فقال عز وجل: ﴿وَلَئِن
سَأَلۡتَهُمۡ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلۡعَبُۚ﴾ فأسند مقالة الرجل
إلى الجالسِين معه؛ لأنهم لم ينكروا عليه، فدل على أن مَن لا ينكر المنكر فإن حكمه
يكون كحكم فاعل المنكر، وأن مَن تكلم بالردة ولم يَرُد عليه الحاضر فإنه يكون
مرتدًّا مثله؛ لأنه رضي بذلك.
ومَن تأمل قول هذا المنافق وجد العجب العُجاب!
فقوله عن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم: «أرغب بطونًا» يعني: يحبون الأكل بشراهة. وهل الصحابة رضي الله عنهم
يحبون الأكل؟! الصحابة رضي الله عنهم يقومون ويصومون، ويقاتلون مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم أحيانًا وليس معهم ما يأكلونه،