يُخْلِصون في الشدة،
ويعلمون أنه لا يكشف الضر إلا الله سبحانه وتعالى. لكن إذا زال الكرب والضرر،
نَسِي أن الذي أنجاه هو الله، ونسب هذا إلى نفسه: ﴿فَلَمَّا
نَجَّىٰكُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ أَعۡرَضۡتُمۡۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ كَفُورًا﴾ [الإسراء: 67].
إذا جاءت السَّعة والنعمة نَسِي ربه، ودعا معه غيره، ونسب هذا الشيء إلى
نفسه وإلى جهده وعمله.
صحيح أن الأشياء لها أسباب، ولكنها لا تُنسب إلى الأسباب، وإنما تُنسب إلى
الله عز وجل مسبب الأسباب؛ لأن السبب بذاته لا يُوجِد شيئًا، فكم من أسباب بُذلت
ولم يَنتج عنها شيء! هذا دليل على أن السبب ليس بلازم أن يُوجِب النتيجة، وإنما
هذا يرجع إلى الله سبحانه وتعالى مسبب الأسباب.
وهذا يَكثر على ألسنة كثير من الناس، يَمدحون أنفسهم ويمدحون غيرهم،
وينسبون حصول الأشياء إلى مجهودات فلان ومهارة فلان، ويُحْسِنون الثناء على
المخلوقين، مع نسيانهم لله سبحانه وتعالى مسبب الأسباب.
فلا تسمع -إلا ما قَلَّ - على ألسنتهم الشكر لله وأن هذا فضل من الله، بل
كلها مجهودات فلان وأعمال فلان.
ولا بأس من الإطراء والمدح، وأن يُثْنَى على الإنسان بقدر جهده، لكن لا
يُنسب الأمر إليه، ولا يُنسب السبب إليه؛ وإنما يُشكر الله ويُنسب إلى الله عز وجل، والمخلوق يُحْمَد
ويُشْكَر على قدر جهده، لكن الشكر المطلق يكون لله سبحانه وتعالى، فيقال: لولا
الله ثم فلان، لولا فضل الله عز وجل ثم فلان. ليكون الأمر واضحًا على المنهج
السليم.