×
تعليقات على كتاب قرة عيون الموحدين في تحقيق دعوة الأنبياء والمرسلين الجزء الثالث

 ثم ذهب إلى الأعمى، وسأله عن أحب الأشياء إليه، فقال: «أَنْ يَرُدَّ اللهُ إِلَيَّ بَصَرِي، فَأُبْصِرَ بِهِ النَّاسَ»؛ لأن البصر نعمة عظيمة، «فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ».

فزاده المَلَك وقال له: «فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟» قال: «الْغَنَمُ»، فأعطاه الله شاة حاملاً، ودعا له المَلَك بالبركة.

فوقعت البركة على هذه الدواب الثلاث، وصار للأبرص وادٍ من الإبل، وللأقرع وادٍ من البقر، وللأعمى وادٍ من الغنم، وتمت عليهم نعمة الله وصاروا أغنياء أصحاء، ولأنهم ما زالوا في دور الامتحان والاختبار، جاءهم المَلَك مرة ثانية!

فجاء للأبرص فقال له: «رَجُلٌ مِسْكِينٌ، قَدِ انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ»، يعني: الأسباب التي يقطعها في طلب الرزق. وفي رواية: «الحِيال» بالياء، جمع: حيلة، «فَلاَ بَلاَغَ لِي الْيَوْمَ إِلاَّ بِاللهِ، ثُمَّ بِكَ»، انظر إلى أدب عباد الله الصالحين، ما قال: «ما لي بلاغ إلا بك»، إنما قال: «بِاللهِ، ثُمَّ بِكَ»، ولم ينسب هذا إلى السبب، وإنما نسبه إلى الله. وهذا من كمال التوحيد. ثم قال: «أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ، وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ، وَالْمَالَ بَعِيرًا، أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي»، فاعتذر له ولم يعطه شيئًا، وقال: «الْحُقُوقُ كَثِيرَةٌ» أي: لو أعطيتك وأعطيت فلانًا وفلانًا، لنَفِدت الإبل وما بَقِي لي شيء!!

فَقَالَ لَهُ المَلَك: «كَأَنِّي أَعْرِفُكَ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ؟ فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللهُ؟» ذَكَّره بما كان عليه، وأن الله أنعم عليه فأعطاه جلدًا حسنًا ولونًا حسنًا، وأغناه من فضله.


الشرح