فهو سبحانه يَذكر توحيد الربوبية في القرآن من باب إلزام المشركين بأنهم
لما اعترفوا بتوحيد الربوبية، فإنهم يَلزمهم أن يعترفوا بتوحيد الألوهية؛ لأن
توحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية، فمَن أقر بالألوهية فقد أقر بالربوبية
ضمنًا. وأما مَن أقر بالربوبية فإنه لا يكون مُقِرًّا بالألوهية، ولكن يلزمه ذلك.
ومن توحيد الربوبية توحيد الأسماء والصفات، لكن العلماء جعلوه قسمًا
ثالثًا؛ لأنه حصل فيه اختلاف بين الجهمية والمعتزلة وأتباعهما من الفِرَق، فكان
لابد من إفراده بالبحث والرد على هؤلاء المخالفين. وإلا فإنه في الحقيقة داخل في
توحيد الربوبية؛ ولذلك بعض العلماء يقسم التوحيد قسمين: توحيد الربوبية، وتوحيد
الألوهية. فيُدخِلون الأسماء والصفات في توحيد الربوبية. وإنما أفرده المتأخرون
لِما حصل فيه الاختلاف من بعض الفِرَق.
فهذا الكتاب جاء يبين توحيد الألوهية؛ لأنه هو المقصود من إرسال الرسل
وإنزال الكتب، وهو الذي حصل فيه الخلاف بين الرسل وأتباعهم وبين المشركين والكفار
من الأمم.
لكن لما كانت هناك فِرَق تخالف في توحيد الأسماء والصفات، ناسب أن يعقد المصنف
لهذا النوع أبوابًا، منها هذا الباب، ومنها ما سبق: «احترام أسماء الله وتغيير الاسم من أجل ذلك»، التسمي بقاضي القضاة...
إلى آخره. هذا كله من نوع توحيد الأسماء والصفات.