والله عز وجل أرسل على الأحزاب ريحًا حتى كفأت قدورهم على أفواهها، ونزعت
فساطيطهم حتى أظعنتهم، قال عز وجل: ﴿يَٰٓأَيُّهَا
ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ جَآءَتۡكُمۡ
جُنُودٞ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا وَجُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَاۚ﴾ [الأحزاب: 9].
فهي خَلْق من خلق الله مسخرة، ومدبرة ومأمورة، وهي من آيات الله سبحانه
وتعالى.
والواجب إسناد الأمور إلى الخالق الذي خلقها ودَبَّرها، لا إسناد الأمور
إلى المخلوقات المأمورة والمنهية والمُدَبَّرة، هذا هو التوحيد. أما إسناد الأمور
والحوادث إلى المخلوقات، فهذا يَنقص التوحيد.
والله عز وجل يُجري الخير والشر لحكمة بالغة وغاية محمودة، فلا يُجري شيئًا
عبثًا في هذا الكون.
فلا يجوز أن يُوجَّه اللوم إلى الريح إذا حصل من آثارها شيء يكرهه الإنسان
في نفسه، أو في مواشيه أو في حرثه... أو غير ذلك! فلا يَنسب ذلك إلى الريح ويسبها
ويشتمها ويلعنها؛ لأن هذا الذم وهذا السب ينصرف إلى الله، الذي خلقها وأَمَرها
ودَبَّرها!!
فسَبُّ الريح إخلال بالتوحيد؛ ولذلك ذَكَر المصنف في هذا الباب النهي عن سب
الريح، أي: ذم الريح وشتمها.
وإن كانت الريح قد يحصل منها ضرر، فقد تكون شديدة البرودة، أو شديدة
الحرارة، فتؤثر - بإذن الله - على المزارع والثمار، وعلى المراكب في البحر، وما
ذلك إلا بأمر الله عز وجل.