قوله: ﴿وَطَآئِفَةٞ قَدۡ
أَهَمَّتۡهُمۡ أَنفُسُهُمۡ﴾ ما قال: «وطائفة
منكم» كما قال فيمن غشيهم النوم ﴿يَغۡشَىٰ
طَآئِفَةٗ مِّنكُمۡۖ﴾؛ لأن الذين أصابهم النوم من المؤمنين. أما الذين أهمتهم
أنفسهم وطار عنهم النوم، فهم ليسوا من المؤمنين، إنما هم من المنافقين. والذي
طَيَّر عنهم النوم: الخوف؛ لأنهم لا يثقون بوعد الله عز وجل ولا يَرْضَون بقضائه
وقدره، ولا يؤمنون بأن ما أصابهم مُقَدَّر ولابد أن يقع، وأنه لا يُنجي منه الحذر،
وأن الله له الحكمة في ذلك.
قوله: ﴿يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ
غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ ظَنَّ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِۖ﴾ الجاهلية: من الجهل، وهو ما
كان قبل الإسلام. فلما جاء الإسلام زالت الجاهلية العامة ولله الحمد، وبقي بعض
الجاهلية في بعض الناس، ولا يكون هناك جاهلية عامة أبدًا إلى أن تقوم الساعة، لكن
يكون هناك جاهلية في بعض الناس أو في بعض القبائل.
وكل ما كان من أمور الجاهلية فهو قبيح مذموم؛ مثل: تَبَرُّج الجاهلية، ظن
الجاهلية، حَمِيَّة الجاهلية.
وقد ظهر ظن الجاهلية على ألسنة المنافقين، فقالوا: ﴿هَل
لَّنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ مِن شَيۡءٖۗ﴾ ما نسبوا ما أصابهم إلى الله، ولم يَرْضَوا بقضاء الله
وقدره، وإنما جعلوا محمدًا صلى الله عليه وسلم وأصحابه سببًا لما حصل لهم، وظنوا
أنهم لو أطاعوهم ما حصل لهم هذا الشيء. وهذا يعني أنهم ينكرون القدر، وأن ما أصاب
الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليس قضاء وقدرًا، وإنما هو بسبب أنهم لم يأخذوا
برأي المنافقين.