×
تعليقات على كتاب قرة عيون الموحدين في تحقيق دعوة الأنبياء والمرسلين الجزء الثالث

وعلى هذا القول يكون معنى الحديث: أن الكتابة زامنت خلق القلم، وليس معناها الإخبار أن القلم أول المخلوقات، بل أول المخلوقات هو العرش؛ كما قال عز وجل: ﴿وَمَا مِن دَآبَّةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ رِزۡقُهَا وَيَعۡلَمُ مُسۡتَقَرَّهَا وَمُسۡتَوۡدَعَهَاۚ كُلّٞ فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ ٦وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ وَكَانَ عَرۡشُهُۥ عَلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۗ وَلَئِن قُلۡتَ إِنَّكُم مَّبۡعُوثُونَ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡمَوۡتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ ٧ [هود: 6- 7]، فدل على أن العرش سابق لخلق السماوات والأرض، وسابق لخلق القلم، فأول ما خلق الله العرش، قبل السماوات والأرض، وقبل الكتابة، وكان عرشه على الماء.

وفي الحديث الذي في صحيح مسلم: «كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلاَئِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ» ([1])، فدل على أن خلق العرش قبل خلق السماوات والأرض، وأن خلق السماوات والأرض قبل خلق القلم. هذا ما تدل عليه الأدلة.

ولهذا يقول العَلاَّمة ابن القيم في النونية:

والناس مختلفون في القلم الذي **** كُتِب القضاء به من الديانِ

هل كان قبل العرش أو هو بعده **** قولان عند أبي العُلا الهَمَذاني

والحق أن العرش قبلُ لأنه **** قبل الكتابة كان ذا أركانِ

وكتابة القلم الشريف تعقبت **** إيجاده من غير فصلِ زمانِ


الشرح

([1])  أخرجه: مسلم رقم (2653).