وهؤلاء وأمثالهم نقول لهم: إن الله لا يُعذِّب على القضاء والقدر، وإنما
يُعذِّب العباد على أفعالهم التي فعلوها باختيارهم وإرادتهم. فهم فعلوا الكفر
بقدرتهم وإرادتهم، وفعلوا المعاصي والسيئات بإرادتهم واختيارهم ومشيئتهم، لا أحد
أجبرهم عليها، وهم يَقدرون على تركها ويَقدرون على فعل الطاعات.
فالله لا يعذبهم على القدر، وإنما يعذبهم على أفعالهم، فيجازي المحسنين
بإحسانهم، ويجازي المسيئين بإساءتهم، ولا يعذب أحدًا على غير فعله، ولا يعذب أحدًا
على فعل فَعَله بغير اختياره، فالمُكرَه لا يُعذَّب. وكذلك المجنون والصغير والذي
ليس عنده عقل ولا إرادة ولا اختيار - هذا أيضًا لا يُعذَّب.
إنما يُعذَّب مَن فَعَل المعاصي باختياره وإرادته ومشيئته، وهو يقدر على
تركها لو أراد، فهذا كمال العدل منه سبحانه وتعالى أن يعذبهم بأفعالهم.
ولكنه قَدَّرها عليهم لحكمة منه سبحانه وتعالى، فهي بقضاء الله وقدره، وهي
أفعالهم وإرادتهم، فهم من هذه الناحية يُعذَّبون على أفعالهم وعلى إرادتهم. وأما
القضاء والقدر فهذا من شأن الله سبحانه وتعالى: ﴿لَا يُسَۡٔلُ
عَمَّا يَفۡعَلُ وَهُمۡ يُسَۡٔلُونَ﴾ [الأنبياء: 23].
ولو كان القضاء والقدر حجة لأحد لكان حجة لإبليس، فإن إبليس احتج بالقضاء
والقدر، ولم ينفعه ذلك، ﴿قَالَ فَبِمَآ
أَغۡوَيۡتَنِي لَأَقۡعُدَنَّ لَهُمۡ صِرَٰطَكَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ﴾ [الأعراف: 16] هذا
ليس حجة، وإنما لو تاب إلى الله ورجع تاب الله عليه، لكنه لم يتب، بل احتج بالقضاء
والقدر.