فالذي يقول: «إن الخَلَف أعلم من السلف» هذا كذاب
ومخالف لقول الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد صَنَّف الحافظ ابن رجب رسالة مستقلة
سماها «فضل علم السلف على علم الخلف»،
وهي رسالة جيدة في الموضوع.
قال: «ثُمَّ إِنَّ بَعْدَكُمْ
قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ» بعد مُضِي القرون المفضلة يأتي
أناس تتغير أحوالهم عن حالة السلف؛ لأن بعد القرون المفضلة ظهرت البدع وظهر الأشرار
والنفاق، وإن كانت القرون كلها لا تخلو من الخير؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى
الحَقِّ ظَاهِرِينَ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ يَخْذُلُهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ
اللَّهِ» ([1]).
فالخير موجود -ولله الحمد- في الأمة وإن كثر الشر بعد القرون المفضلة.
قوله: «يَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ» وفي حديث ابن مسعود: «تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ» هذا من التساهل في الأيمان والشهادات، وهذا دليل على نقص توحيده، وكونه يشهد قبل أن تُطلب منه الشهادة هذا دليل على جرأته على الشهادة؛ إذ لو كان متحفظًا وخائفًا لم يبادر بالشهادة حتى تُطلب منه، فإذا طُلبت منه فإنه يجب عليه أداء الشهادة؛ لقوله عز وجل: ﴿وَلَا تَكۡتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَۚ وَمَن يَكۡتُمۡهَا فَإِنَّهُۥٓ ءَاثِمٞ قَلۡبُهُۥۗ﴾ [البقرة: 283]، هذا إذا طُلبت منه وعنده شهادة يعلمها وصحيحة. أما إذا لم تُطلب منه فلا يبادر بها؛ لأنه إذا بادر بها من غير الطلب، كان ذلك دليلاً على تساهله بها.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (71)، ومسلم رقم (1037).