قوله: «فَإِنْ هُمْ أَبَوْا» يعني:
أَبَوْا دفع الجزية «فَاسْتَعِنْ بِاللهِ
وَقَاتِلْهُمْ» هذه هي الخَصلة الثالثة، وهي المرحلة الأخيرة معهم، وهي
القتال؛ لأنهم أَبَوُا الدخول في الإسلام، وأَبَوْا دفع الجزية، بعدما بلغتهم
الدعوة وقامت عليهم الحجة وانقطعت معذرتهم، فلم يَبْقَ إلا قتالهم؛ لأجل أن تكون
كلمة الله هي العليا، قال عز وجل: ﴿وَقَٰتِلُوهُمۡ
حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِۚ﴾ [الأنفال: 39]، أي:
حتى لا يكون شرك يُفتتن المسلمون عن دينهم بسببه.
لأنهم إذا بَقُوا على شركهم وكفرهم، صاروا دعاة إلى الكفر واجتهدوا في صرف
المسلمين عن دينهم، كما هي عادة الكفار والمشركين دائمًا، قال عز وجل: ﴿وَدُّواْ لَوۡ تَكۡفُرُونَ
كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءٗۖ﴾ [النساء: 89]، وقال عز وجل:
﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ
حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمۡ عَن دِينِكُمۡ إِنِ ٱسۡتَطَٰعُواْۚ﴾ [البقرة: 217]،
فالكفار دائمًا في كل مكان وزمان يحاولون صرف المسلمين عن دينهم.
فإذا أصروا على كفرهم، وجب قتالهم ﴿حَتَّىٰ
لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِۚ﴾، هذا هو الواجب؛
لأن الله هو الخالق الرازق الرب المُدبِّر الذي يستحق العبادة، وعبادة غيره باطلة
لأنها بغير حق.
وقوله: «فَاسْتَعِنْ
بِاللهِ وَقَاتِلْهُمْ» هذا دليل على وجوب الاستعانة بالله وعدم الاغترار
بالقوة، وأن المسلمين إنما يقاتلون بإعانة الله عز وجل، ويعتمدون على الله ويطلبون
منه النصر والقوة، ولا يعتمدون على قوتهم