فلما رأى خالد بن
الوليد - وكان يومَ ذاك على الشرك - الجبل قد فرُغ، وكان قائدًا محنَّكًا يعرف السياسة
الحربية؛ دار بمن معه من كتيبة الخيل، وانقضُّوا على المسلمين من خلف ظهورهم،
والمسلمون لم يشعروا، فدارت المعركة من جديد، وعاقب الله المسلمين بسبب هذه
المخالفة التي حصلتْ من بعضهم والعقوبة شملت المخالفين وغير المخالفين، لأن
العقوبة إذا نزلت تَعُمُّ، قال تعالى: ﴿وَٱتَّقُواْ فِتۡنَةٗ لَّا تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمۡ خَآصَّةٗۖ﴾ [الأنفال: 25].
فدارت المعركة من
جديد، وأصاب المسلمين ما أصابهم من القرْح، واستُشهد منهم سبعون من خيار الصحابة
من المهاجرين والأنصار، وعلى رأسهم حمزة بن عبد المطَّلب عم الرسول صلى الله عليه
وسلم، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم أصابه ما أصابه؛ فكُسِرتْ رَباعيَّته،
وشُجَّ في رأسه، وسقط في حفرة، وأُشيع أنه قد مات، فأصاب المسلمين مصيبةٌ عظيمة،
ولكن أهل الإيمان لا يتغيَّر موقفهم ولا يتزحزح أبدًا مهما بلغ الأمر، لا تضعُف
عزيمتهم، اجتمعوا حول الرسول صلى الله عليه وسلم يَذُبُّون عنه، ويحمونه من سهام
المشركين، والمعركة لا تزال مستمرة، والرسول مشجوج، والمِغْفَر قد هُشِّم على رأسه
صلى الله عليه وسلم.
ثمَّ انتهت المعركة،
وأُعلن أنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يُقتل، فحينئذ فرِح المسلمون فرحًا
شديدًا، واغتاظ المشركون غيظًا شديدًا.
فانصرف المشركون إلى مكَّة، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يدفنوا الشهداء، وأن يدفنوا الاثنين والثلاثة في قبرٍ واحد؛ لكثرة الأموات،