وقوله:
﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ
قُلُوبُهُمۡ﴾ [الأنفال:
2] الآية.
****
هذا محل الشاهد من الآية؛
حيث قدَّم المعمول وهو الجارَّ والمجرور ﴿وَعَلَى
ٱللَّهِ﴾ وأخَّر العامل وهو ﴿فَتَوَكَّلُوٓاْ﴾ ممَّا يفيد الحصْر،
أي: توكَّلوا على الله ولا تتوكَّلوا على غيره.
ففيه: وجوب إخلاص
التوكُّل على الله عز وجل وأنه سببٌ من أسباب النصر على الأعداء؛ مثل قوله:
﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5] قدَّم المعمول
وأخَّر العامل، أصله: نعبدك ونستعين بك، ولكن قدَّم المعمول ﴿إِيَّاكَ
نَعۡبُدُ﴾ أي: لا نعبد سواك، ﴿وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ﴾ أي: لا نستعين
بغيرك، هذا هو الإخلاص والتوحيد.
قال: «وقوله: ﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ﴾ [الأنفال: 2] الآية» أي: إذا خُوِّفوا بالله خافوا، وإذا ذكِّروا بالله تذكَّروا، وإذا قيل لهم: ﴿ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ﴾ خافوا من الله عز وجل وأشفقوا من عذابه، إذا وُعظوا وذُكِّروا فإنهم يخشون الله سبحانه وتعالى بخلاف الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتۡهُ ٱلۡعِزَّةُ بِٱلۡإِثۡمِۚ﴾ [البقرة: 206] وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا ذُكِّرُواْ لَا يَذۡكُرُونَ﴾ [الصافات: 13]، وقوله تعالى: ﴿سَيَذَّكَّرُ مَن يَخۡشَىٰ ١٠ وَيَتَجَنَّبُهَا ٱلۡأَشۡقَى ١١ ٱلَّذِي يَصۡلَى ٱلنَّارَ ٱلۡكُبۡرَىٰ﴾ [الأعلى: 10- 12]، وقال تعالى: ﴿وَذَكِّرۡ فَإِنَّ ٱلذِّكۡرَىٰ تَنفَعُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [الذاريات: 55]، فإن المؤمن ينتفع بالموعظة والتذكير ويخاف من الله سبحانه وتعالى إذا ذُكِّر به وخُوِّف به، وهذه علامة الإيمان؛ أما المنافق فهو وإن ادَّعى الإيمان فإنه إذا ذُكِّر بالله ازداد عُتُوًّا ونفورًا وازداد طُغيانًا فتأخذَه العزَّة بالإثم.