ولَمَّا خرج إلى
الطائف يدعوهم إلى الله، وردُّوا عليه ردًّا قبيحًا، وأغرَوْا عبيدهم وسفاءهم
برميه بالحجارة، هو ومولاه زيد بن حارثة؛ ورجع وأهل مكة كلهم أعداء له؛ فجاء من
الطائف وقد قابلوه أسوأ مقابلة، وأهل مكة - أيضًا - خرج منهم لشدَّة أذاهم، فقال
له مولاه زيد بن حارثة: يا رسول الله، كيف ترجع إليهم وهم كذا وكذا، قال: «يَا
زَيْدُ، إِنَّ اللهَ جَاعِلٌ لِمَا تَرَى فَرَجًا وَمَخْرَجًا».
هكذا مواقف أنبياء
الله لا ييأسون مهما بلغ الأمر ومهما بلغت الشدة لعلمهم برحمة الله عز وجل وقدرة
الله عز وجل وعلم الله عز وجل بحالهم وأنه لا تخفى عليه خافية ولا تخفى عليه أحوالُ
عباده أبدًا، ولكنه يبتليهم ويمتحنهم ليكفِّر عنهم سيِّئاتهم وليعظُم رجاؤهم بالله
عز وجل وليتوبوا إلى الله عز وجل وله الحكمة في ذلك سبحانه وتعالى.
قوله: «رواه عبد
الرزاق» عبد الرزاق بن هَمَّام الصنعاني، الإمام الجليل، شيخ العلماء والمحدِّثين،
روى عنه: الإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهوَيْه، وغيرهما من كبار الأئمة.
وقوَّى إسناد هذا
الحديث: ابن جرير الطبري.
فهذه النصوص في هذا
الباب يُستفاد منها الأحكام التالية:
أولاً: تحريم الأمن من مكر
الله والقنوط من رحمة الله، وأنهما ينقِّصان كمال التَّوحيد، وقد ينافيان التَّوحيد.
ثانيًا: أنه يجب على المسلم أن يجمع بين الخوف والرجاء، فلا يخاف فقط ولا يرجو فقط، وإنما يكون خائفًا راجيًا دائمًا وأبدًا، هذا هو التَّوحيد، وهو صفة أولياء الله.