هذا إبراهيم عليه
السلام أبو الأنبياء يقول: ﴿وَمَن يَقۡنَطُ مِن
رَّحۡمَةِ رَبِّهِۦٓ إِلَّا ٱلضَّآلُّونَ﴾ [الحِجر: 56] مهما كانتِ الحال من
الشدَّة ومن الضيق ومن الحرج؛ فإن المؤمن لا يقنط من رحمة الله، لأن الله
قادرٌ على كل شيء، لا يُعجِزُه شيءٌ، وهو أرحم الراحمين.
ففي هذه الآية: أن
الذي يقنط من رحمة ربه يكون من الضالين، والضلال ضدُّ الهدى.
وفي هاتين الآيتين:
مشروعية الجمع بين الخوف والرجاء؛ فالخوف في قوله: ﴿أَفَأَمِنُواْ
مَكۡرَ ٱللَّهِۚ فَلَا يَأۡمَنُ مَكۡرَ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ﴾ [الأعراف: 99]، وفي الآية الثانية:
﴿وَمَن يَقۡنَطُ مِن رَّحۡمَةِ رَبِّهِۦٓ إِلَّا ٱلضَّآلُّونَ﴾ [الحِجر: 56] وجوب الرجاء وعدم
القنوط من رحمة الله؛ فيجب الجمع بينهما، بأن يكون خائفًا راجيًا، لا يكون
خائفًا فقط، لأن هذا يقنِّطه من رحمة الله سبحانه وتعالى ولا يكون راجيًا فقط، لأن
هذا يؤمِّنه من مكر الله؛ فإذا خاف الإنسان وقنَط من رحمة الله لم يتب، وإذا أمِن
من مكر الله فإنه لا يترك المعاصي بل يَزيد منها.
ولهذا يقول العلماء:
«مَن عبد الله بالخوف فقط فهو حَرُوريٌّ»، يعني: مِن الخوارج؛ لأن الخوارج
وعيديَّة يأخذون بآيات الوعيد - والعياذ بالله - ويخرجون العاصي من الإسلام
ويخلِّدونه في النار، وهذا يأس من رحمة الله، نسأل الله العافية.
«ومَن عبد الله بالرجاء فقط فهو مُرجئٌ» لأن المرجئة هم الذين يقولون: لا يضرُّ معَ الإيمانِ مَعصيةٌ، كما لا يَنفعُ مع الكفرِ طاعةٌ،