وقت الفَتْرَةِ، فلا يجوز أن نقول بعد بَعْثَةِ
النبي صلى الله عليه وسلم: النَّاس في الجاهلية، أو النَّاس في جاهلية جهلاء. هذا
لا يجوز أبدًا؛ لأن الله رفع الجاهلية ببَعْثَةِ الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن:
قد تبقى خصالٌ من خِصال الجاهلية؛ فيقال - مثلاً -: هذا من الجاهلية، وهذا من خصال
الجاهلية، وليس مَنْ قام به خصلة من خصال الجاهلية يكون من أهل الجاهلية، فلا يجوز
إطلاق الجاهلية بعد بَعْثَة النبي صلى الله عليه وسلم.
ومعنى «دَعَا
بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ»: أن يتلفَّظ بألفاظ الجاهلية، كأن ينادي ويقول: وا
عضداه، وا نصيراه، وا كذا وكذا، وكذا إثارة العصبيات والقوميات والحزبيات، وما إلى
ذلك، كلُّ ذلك من دعوى الجاهلية.
قال ابن القيِّم
رحمه الله: «المراد بدعوى الجاهلية: كلُّ مَنْ تَعَصَّب إلى مذهب، أو تعصَّب إلى
قبيلة».
فالعصبية الجاهلية
والنخوة الجاهلية كلُّه يدخل في دعوى الجاهلية، فلا يجوز للمسلم أنه يتعصَّب لأحد
العلماء أو لأحد المذاهب ولا يقبل غير هذا المذهب أو لا يقبل غير هذا الرجل من
العلماء، فهذه عصبية أو يتعصَّب لقبيلته إذا كانت على خطأ، كما يقول الشاعر:
وَهَلْ أَنَا إِلاَّ
مِنْ غَزِيَّةَ إِنْ غَوَتْ
غَوَيْتُ وَإِنْ
تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدِ
والواجب على المسلم: أن يَتْبع الحقَّ سواءٌ كان مع إمامه أو مع غيره، وسواء كان مع قبيلته أو مع غيرها، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلۡقِسۡطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ وَلَوۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ أَوِ ٱلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَۚ﴾ [النساء: 135].