وقوله: «قَالَ اللَّهُ
تبارك وتعالى » هذا فيه إثبات أن الله يتكلَّم كما يليق بجلاله سبحانه وتعالى «أَنَا
أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ» الله سبحانه وتعالى غنيٌّ عن عبادة
خلقه، وإنما أمرهم بعبادته لمصلحتهم هم؛ لأنهم محتاجون إلى الله سبحانه وتعالى ولا
يربطهم بالله إلاَّ العبادة، فعبادتهم لله من أجل مصلحتهم، مِن أجل أن يغفر الله
لهم، وأن يرزقهم، وأن يُدخلَهم الجنة، فالمصلحة من عبادتهم عائدةٌ إليهم، أما الله
سبحانه وتعالى فإنه لا تنفعه طاعة الطائعين ولا تضرُّه معصية العاصين، وإنما هو
النافع الضار، ولهذا يقول سبحانه وتعالى: ﴿إِن
تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمۡۖ وَلَا يَرۡضَىٰ لِعِبَادِهِ
ٱلۡكُفۡرَۖ وَإِن تَشۡكُرُواْ يَرۡضَهُ لَكُمۡۗ﴾ [الزُّمَر: 7]، ويقول سبحانه
وتعالى على لسان موسى عليه الصلاة والسلام: ﴿وَقَالَ
مُوسَىٰٓ إِن تَكۡفُرُوٓاْ أَنتُمۡ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [إبراهيم: 8].
وفي الحديث القدسي
الذي رواه أبو ذرٍّ رضي الله عنه: أن الله سبحانه وتعالى يقول: «يَا عِبَادِي
لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى
أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا،
يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ
كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي
شَيْئًا» ([1]).
إذًا، فعبادة النَّاس للهِ يرجع ثوابها ويرجع خيرها إليهم، أمَّا الله جل وعلا فهو غنيٌّ عنها، ومِن بابِ أولى: مَن عمِلَ عملاً أشركَ مع الله فيه فإنه سبحانه وتعالى غنيٌّ لا يقبل ما فيه شرك، وإنما يتقبَّل الخالص لمصلحة العباد.
([1])أخرجه: مسلم رقم (2577).