أما المؤمن فإنه إنْ
أُعطيَ شكر، وإِنْ لَمْ يُعْطَ فإنه يصبر ولا يسخط، لأنه يعمل لله لا يعمل مِن أجل
الدنيا، وبعضهم يحب أَنْ يُعطَى مِن الدنيا شيئًا، فقد كان بعضُ الصَّحابة لا يرضى
أَنْ يُعطَى مِن الدنيا شيئًا، ولا يطلب شيئًا، لأنه يريد الدار الآخرة، مِنْ باب
حفظ أعمالهم وثوابها في الدار الآخرة، فلا يحبون أن يتعجَّلوا مِن حسناتهم شيئًا،
ولكن مَن أُعطيَ مِن غير تشوُّف، ومِن غير طمع، ومِن غير طلب، فلا بأس أن يأخذ؛
كما في الحديث: «وَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ
وَلاَ سَائِلٍ فَخُذْهُ، وَمَا لاَ فَلاَ تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ» ([1]).
فالمؤمن سِيَّان
عنده؛ يُعطَى مِن الدُّنيا أو لا يُعطَى، ولا يُنقص ذلك مِن عمله لله شيئًا، لأنه
يحب الله ورسوله؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطِي بعضَ النَّاس وهو
يبغضُهُم مِنْ أجلِ تأليفهم، والخوف عليهم مِن النفاق والرِّدة، ويمنع ناسًا هم
أحب النَّاس إليه يَكِلُهم إلى إيمانهم؛ لأنه واثقٌ مِن إيمانهم وعقيدتهم، وأنهم
لا يتأثَّرون إذا لم يُعطَوا، وهذه علامة المؤمن: أنه باقٍ على إيمانه ويقينه
أُعْطِيَ مِنَ الدُّنيا أو لم يُعطَ، أما صاحب الدنيا فهذا إنْ أُعْطِي منها رضِيَ
وإِنْ لم يُعطَ منها سَخِطَ، فهو يرضى لها ويغضب لها.
وهذا هو الشاهد مِنَ الحديث: أنه سمَّاه عبدًا لهذه الأشياء مع أنه مسلم مؤمن، ولكن لَمَّا كان يعمل ويريد هذه الأشياء صار عبدًا لها،
([1])أخرجه: البخاري رقم (1404)، ومسلم رقم (1403).