على غباوتهم، وعلى قُبْح سجيّتهم، فالاعتذار
أخسّ من الفعل؛ لأنهم يدّعون أن تحكيم غير كتاب الله إحسان وتوفيق، فهذا عذرٌ أقبح
من فعل؛ لأن الإحسان والتوفيق هو باتّباع كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه
وسلم.
ولَمّا قالوا في
إحدى الغزوات: «مَا رَأَيْنَا مِثْلَ قُرَّائِنَا هَؤُلاَءِ أَرْغَبَ بُطُونًا،
وَلاَ أَكْذَبَ أَلْسُنًا، وَلاَ أَجْبَنَ عِنْدَ اللِّقَاءِ» يعنون: رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكان قد حضر مجلسَهم واحدٌ من المسلمين، فذهب وبلّغ
الرسول صلى الله عليه وسلم، فلمّا علِموا جاءوا يركُضون يريدون الاعتذار، فوجدوا
الوحي قد سبقهم، فأنزل الله على رسوله: ﴿وَلَئِن
سَأَلۡتَهُمۡ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلۡعَبُۚ قُلۡ أَبِٱللَّهِ
وَءَايَٰتِهِۦ وَرَسُولِهِۦ كُنتُمۡ تَسۡتَهۡزِءُونَ ٦٥ لَا
تَعۡتَذِرُواْ قَدۡ كَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡۚ إِن نَّعۡفُ عَن طَآئِفَةٖ مِّنكُمۡ نُعَذِّبۡ طَآئِفَةَۢ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ﴾ [التوبة: 65- 66]، ما يزيد الرسول على
أن يقرأ هذه الآية، وهم متعلِّقون بناقته صلى الله عليه وسلم يعتذرون، ولا
يلتفت إليهم.
ثم بيّن الله أنهم
كاذبون، وأنهم يقولون ما ليس في قلوبهم: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ
ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ﴾ [النساء: 63]، فهم يعتذرون إليك
في الظّاهر ويحلفون في الظّاهر، وما جاءوا تائبين ونادمين، وإنّما جاءوا
مخادعين ﴿فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ﴾ فلا تقبل اعتذارهم؛ لأنّه اعتذارٌ كاذب،
وإنما يُقبل الاعتذار من الإنسان النّادم والإنسان التّائب، والإنسان المخطئ من
غير تعمّد، أما الإنسان المتعمِّد للباطل فلا يُقبَل اعتذارُه إلا إذا رجع إلى الصواب.
﴿وَعِظۡهُمۡ﴾ يعني: الواجب عليك تجاههم الموعظة، بأن تخوِّفهم بالله عز وجل وتحذّرهم من النّفاق والكذب، وتأمُرهم بالتّوبة، وتبيِّن لهم