أما الذي يُؤْمِن
بكتاب ويكفُر بالكتب الأخرى فهذا كافرٌ بالجميع، فاليهود إذا قيل لهم: آمنوا بما
أنزل الله ﴿قَالُواْ نُؤۡمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَيَكۡفُرُونَ بِمَا
وَرَآءَهُۥ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡۗ﴾ [البقرة: 91]؛ فالذي يقول: لا نؤمن إلا
بالكتاب الذي نزل على رسولنا فقط، أما الكتاب الذي نزل على غير رسولنا فلا
نؤمن به - فهذا كافر بالكتاب الذي نزل على رسوله؛ لأنّ الكتب مصدرها واحد، يصدِّق
بعضها بعضًا، وكلّها من الله سبحانه وتعالى والرُّسل إخوة، كُلّهم إخوة، دعوتهم
واحدة، ومنهجهم واحد، فالذي يؤمن بكتاب ويجحد غيره، أو يؤمن بالكتب إلا واحدًا
منها، أو يؤمن بالرسل ويكفر ببعضهم - فهذا كافر بالجميع، ولهذا قال: ﴿كَذَّبَتۡ
قَوۡمُ نُوحٍ ٱلۡمُرۡسَلِينَ﴾ [الشعراء: 105]، ﴿كَذَّبَتۡ
عَادٌ ٱلۡمُرۡسَلِينَ﴾ [الشعراء: 123]، ﴿كَذَّبَتۡ
ثَمُودُ ٱلۡمُرۡسَلِينَ﴾ [الشعراء: 141]، ﴿كَذَّبَتۡ
قَوۡمُ لُوطٍ ٱلۡمُرۡسَلِينَ﴾ [الشعراء: 160]، مع أنهم لم يكفُروا
إلا برسولِهم، لكن لَمّا كفروا برسولهم صاروا كافرين بالمرسلين جميعًا؛ لأنّ الرسل
دينهم واحد، ومنهجهم واحد، وهم إخوة، يجب الإيمان بهم جميعًا.
وقوله: ﴿يَزۡعُمُونَ أَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ﴾ [النساء: 60] ادّعَوْا هذا، لكن لَمّا جاء التنفيذ اختلف الفعل عن القول، وتبيّنت حقيقتهم ﴿يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوٓاْ إِلَى ٱلطَّٰغُوتِ﴾ [النساء: 60] الطّاغوت: مشتقٌّ من الطُّغيان، وهو: مجاوزة الحدّ، قال الشيخ الإمام ابن القَيِّم: «الطّاغوت: ما تجاوز به العبدُ حدّه من معبود أو متبوعٍ أو مُطاعٍ في