بالطّاغوت، فقولنا: لا إله هذا نفيٌ، ينفي جميع
الطّواغيت، وقولُنا: إلا الله هذا إيمانٌ بالله سبحانه وتعالى وحده.
وقوله: ﴿وَيُرِيدُ
ٱلشَّيۡطَٰنُ أَن يُضِلَّهُمۡ ضَلَٰلَۢا بَعِيدٗا﴾ [النساء: 60] بيّن سبحانه وتعالى أنّ عملهم هذا إنما هو إملاءٌ
من الشيطان، فهو الذي سوّل لهم هذه الإرادة - إرادة التحاكُم إلى الطّاغوت
- هو الذي سوّل لهم وأملى عليهم هذه الفكرة الخبيثة، يريد أن يُبعدَهم ويُغوِيَهم،
وليس ضلالاً عاديًّا، بل ﴿ضَلَٰلَۢا بَعِيدٗا﴾ [النساء: 60] عن الحقّ، يُبعدهم غاية البُعد، فلا يكفيه أنّه يتركهم في مكان
قريب؛ لأنّهم إذا كانوا في مكان قريب ربّما يرجعون، لكن يُبعدهم بُعدًا لا يرون
معه الحق أبدًا.
هذا الذي يريده
الشيطان، فهو الذي يبعد الناس عن تحكيم كتاب الله وسنّة رسوله؛ لأنّ الشيطان يريد
لهم الشّرّ ولا يُريد لهم الخير، ولا يكفيه الانحراف اليسير، لا يرضى إلا بالانحراف
الكُلِّيّ والبُعد عن منهج الله سبحانه وتعالى.
ثم - أيضًا - من علاماتهم: أنهم لا يَقبلون النّصيحة؛ لأنّ الشيطان أضلّهم ضلالاً بعيدًا، ولهذا قال: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ﴾ [النساء: 61] طُلب منهم ونُصحوا أن يرجعوا إلى الحق فلم يقبلوا؛ لأنهم تعمّدوا مخالفة الحق، فهم ما تركوا الحقّ عن جهل، ولكنّهم تركوه عن تعمُّد، فلذلك لا يقبلون النّصيحة، ولهذا قال: ﴿رَأَيۡتَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودٗا﴾ [النساء: 61] يُعرِضون إعراضًا كليًّا.