لجهلهم بقدرة الله
سبحانه وتعالى ويقيسون قدرة الخالق على قدرتهم، ولهذا استصعبوا البعث، ورأوه
مستحيلاً؛ أن يبعث الله هذه الأجسام بعد تفتُّتها وضياعها في الأرض، ولكنَّ الله
سبحانه وتعالى يعلم مستقرَّها ومستودَعها ويعلم مصيرها، ولو فنَيتْ وصارت تُرابًا
فالله يعلم هذه الأجسام وما تحلَّل منها وقادرٌ على إعادتها: ﴿قَدۡ
عَلِمۡنَا مَا تَنقُصُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۡهُمۡۖ وَعِندَنَا كِتَٰبٌ حَفِيظُۢ﴾ [ق: 4]، بل إنَّ كلَّ جسم الإنسان يفنى إلاَّ عَجْبَ الذَّنب،
وهو: حبَّةٌ صغيرة، منها يركَّبُ خلقُ الإنسان يوم القيامة.
فهم ينكرون البعث
والنشور ويقولون: ﴿مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا﴾ [الجاثية: 24] ما هناك حياةٌ
أُخرى بعد هذه الحياة، ما هناك إلاّ الحياة التي نحن فيها.
﴿نَمُوتُ
وَنَحۡيَا﴾ [الجاثية: 24] يعني: يموت ناس ويولَد ناس، كما يقولون: أرحام
تدفع، وأرض تبلع.
﴿وَمَا
يُهۡلِكُنَآ إِلَّا ٱلدَّهۡرُۚ﴾ [الجاثية: 24] أي: أنَّ سبب الموت إنما هو طول العمر طول
الحياة، الإنسان يعمَّر ثم يَهْرَم ثم يموت، أو سبب الموت هو: حوادث الدهر،
فينسبون الهلاك إلى الدهر.
لماذا أصابهم قحط أو
انحباس مطر نسبوه إلى الدَّهر، وإذا أصابتهم مجاعة أو أصابهم قتلٌ أو مرض نسبوه
إلى الدهر، ويزعمون أنَّ هذا من تصرُّف الدهر، ولذلك يهجون الدهر في إشعارهم.
وهذا في الحقيقة إنَّما هو ذمٌّ لله سبحانه وتعالى لأنَّ الدهر ليس بيده شيء، فليس هو الذي يُصدرُ هذه المجريات، وإنَّما هي صادرة عن الله سبحانه وتعالى فمن ذَمَّ الدهر فقد ذمَّ الله سبحانه.