فَقَالَ:
إِنَّ قَوْمِي إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَتَوْنِي فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ،
فَرَضِيَ كِلاَ الْفَرِيقَيْنِ. فَقَالَ: «مَا أَحْسَنَ هَذَا، فَمَا لَكَ مِنْ
الْوَلَدِ؟» قُلْتُ: شُرَيْحٌ، وَمُسْلِمٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ. قَالَ: «فَمَنْ
أَكْبَرُهُمْ؟»، قُلْتُ: شُرَيْحٌ. قَالَ: «فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ» ([1]) رواه
أبو داود وغيره.
****
الذي يتولَّى الفصل بين عباده، ويحكم للمظلومين
على الظَّلَمة، ويردُّ المظالِم إلى المظلومين، فلا يُنهي النِّزاع بين العالَم
إلاَّ الله سبحانه، أما الحكم الذي في الدُّنيا يحكُم به الحُكَّام من القُضاة؛
فهذا يُخطئ ويُصيب، والنَّبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إِذَا اجْتَهَدَ
الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ
أَجْرٌ وَاحِدٌ» ([2])، أما إذا لم يجتهد
أو اجتهد وهو ليس أهلاً للاجتهاد وحكم فإنه على كل حال مخطئ وآثم، لأنه ليس من
حقِّه أن يحكم وهو ليس أهلاً للاجتهاد، إلاَّ في مسألة الصُّلْحِ.
والنَّبي قال: «إِنَّ
اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ» على سبيل الإنكار على أبي شريح.
ثم إنَّ أبا شريح أراد أن يبيِّن السبب للرَّسول صلى الله عليه وسلم، وأنَّه لم يسمِّ نفسَه بذلك، وإنَّما النَّاس هم الذين سمَّوه به، والسبب في هذا: أنَّه إذا اختلف قومُه في شيء رجعوا إليه فحكم بينهم فرضيَ كلا الفريقين، بمعنى: أنَّه يُصْلِح بينهم برضاهم، وليس في هذا ظلمٌ لأحد، وإنَّما فيه إنهاء للنِّزاع وقطع للخُصومة وإرضاء لكلا الطَّرَفين، وهذا عملُ خير؛ ولهذا قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: «مَا أَحْسَنَ هَذَا»،
([1])أخرجه: أبو داود رقم (4955)، والنسائي رقم (5387)، والحاكم رقم (62).