فالوقت وقتٌ حَرِج
جدًّا، والمسافة بعيدة، والعدوُّ عددُهُ كبير، والوقت حارٌّ، ووقت مَطِيب الثمار
والنَّاس بحاجة إليها، والمسلمون عندهم عُسرة، فليس عندهم استعداد للتجهُّز للغزو؛
ولذلك سُمِّي هذا الجيش بـ «جيش العُسرة»، وسُمِّيت هذه الساعة: «ساعة
العُسْرة».
وقد جهَّز عثمان رضي
الله عنه من مالِه ثلاثمائة بعير بجميع لوازمها، فهو الذي جهَّز جيش العُسرة من
ماله الخاصِّ، وهذا من أعظم فضائله، رضي الله عنه وأرضاه.
وكذلك شارَك مَن
شارك من الصَّحابة بما عندهم من مال، فجهَّزوا الجيش، وخرجوا، وكانت آخر غزوة
غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والمنافقون صاروا يتكلَّمون، واعتذروا عن الخُروج؛ لأنَّهم ليس معهم إيمان، والغزوة هذه صعبة، لا يصبر عليها إلاَّ أهلُ الإيمان، وهذه حكمة من الله تعالى، واختبار في آخر عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، أراد الله أن يختبر المسلمين ليظهَر الصادِق من المنافق؛ فالصادقون ما تردَّدوا ولا تلكَّأوا، وأمَّا المنافقون فإنهم تلكَّأوا وجعلوا يتكلَّمون ويقولون: يحسبون أن غزو بني الأصفر مثل غزو العرب، كأنَّنا بهم يُقَرَّنون في الأصفاد، وما أشبه ذلك من الكلام القبيح، واعتذروا عن الخُروج، ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى عنهم: ﴿لَوۡ كَانَ عَرَضٗا قَرِيبٗا وَسَفَرٗا قَاصِدٗا لَّٱتَّبَعُوكَ وَلَٰكِنۢ بَعُدَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلشُّقَّةُۚ﴾ [التوبة: 42] لأنَّ المسافة بعيدة، ﴿لَوۡ كَانَ عَرَضٗا قَرِيبٗا وَسَفَرٗا قَاصِدٗا لَّٱتَّبَعُوكَ وَلَٰكِنۢ بَعُدَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلشُّقَّةُۚ وَسَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسۡتَطَعۡنَا لَخَرَجۡنَا مَعَكُمۡ يُهۡلِكُونَ أَنفُسَهُمۡ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ ٤٢ عَفَا ٱللَّهُ