قوله تعالى: «يَخْلُقُ
كَخَلْقِي» يعني بذلك المصوِّر؛ لأنَّ الْمُصَوِّرَ يُحَاوِلُ أن يوجد صورة
تُشبه الصورة التي خلقها الله سبحانه وتعالى لأنَّ الله جل وعلا تفرَّد بالخلْق،
وتفرَّد بالتَّصوير: ﴿هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡخَٰلِقُ ٱلۡبَارِئُ ٱلۡمُصَوِّرُۖ﴾ [الحشر: 24]، ﴿وَصَوَّرَكُمۡ
فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ﴾ [غافر: 64]، ﴿وَصَوَّرَكُمۡ
فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ﴾ [التغابن: 3] فالله جل وعلا هو
المصوِّر؛ فالذي يحاول أَنْ يَضَعَ شكلاً يشبه الصورة التي خلقها الله جل وعلا
يجعل نفسَه شريكًا لله في التَّصوير، ولهذا يجعل الصورة على شكل المصوِّر مِن
إنسان أو حيوان؛ فيجعل لها رأسًا ووجهًا وعينين وأنفًا وشفتين وأُذنين ويدين
ورجلين، ثم يلوِّنُها بالتلوينات إذا كانت رسمًا، وإن كانت بناءً فإنَّه يبني
تمثالاً مكوَّنًا مِن أعضاء وتقاطيع يحاولُ بها مشابهة فعل الله سبحانه وتعالى
ومشاركة الله جل وعلا فيما اختصَّ به وتفرَّد به، فإنَّ الله جل وعلا هو الخالق
وحدَه، لا أحد يخلُق غيره: ﴿أَمۡ جَعَلُواْ لِلَّهِ
شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلۡقِهِۦ فَتَشَٰبَهَ ٱلۡخَلۡقُ عَلَيۡهِمۡۚ قُلِ ٱللَّهُ
خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖ وَهُوَ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّٰرُ﴾ [الرعد: 16]، ﴿يَٰٓأَيُّهَا
ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٞ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥٓۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن
دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخۡلُقُواْ ذُبَابٗا وَلَوِ ٱجۡتَمَعُواْ لَهُۥۖ﴾ [الحج: 73] هو يستطيع أَنْ
يَرسُمَ شكلاً أو يَبنِيَ تمثالاً، ولكنَّه لا يستطيع أَنْ يَجْعَلَهُ حَيَّا
متحركًا عاقلاً مفكِّرًا يأكُل ويشرب ويعمل كما يعمل خلقُ الله سبحانه وتعالى ﴿هَٰذَا
خَلۡقُ ٱللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦۚ﴾ [لقمان: 11].
وقوله: «فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً» هذا أمر تعجيز وتحدٍّ، وهو تحدٍّ قائم إلى يوم القيامة.