إنه الدين الذي اختاره الله خاتمًا لشرائعه يحمل كل مقومات البشرية ويسعى
بها دائمًا نحو الصلاح والفلاح: {إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ
يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ
ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرٗا كَبِيرٗا ٩وَأَنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ
بِٱلۡأٓخِرَةِ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا ١٠}[الإسرَاء: 9-10].
ثم إن الإسلام يحسب للضرورات حسابها ويشرع لها أحكامًا مناسبة فيقول الباري
جل وعلا بعد أن يذكر تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله: {فَمَنِ ٱضۡطُرَّ
غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} [البَقَرَة: 173]
ويقول: {إِلَّا مَا ٱضۡطُرِرۡتُمۡ
إِلَيۡهِۗ} [الأنعَام: 119].
ويقول: {فَمَنِ ٱضۡطُرَّ
فِي مَخۡمَصَةٍ غَيۡرَ مُتَجَانِفٖ لِّإِثۡمٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} [المَائدة: 3] فيبيح سبحانه
للمضطر من المحرم قدر ما يرفع ضرورته فالإسلام يساير الإنسان في جميع أحواله في
العسر واليسر في السراء والضراء في السعة والضيق: {وَمَا جَعَلَ عَلَيۡكُمۡ فِي
ٱلدِّينِ مِنۡ حَرَجٖۚ} [الحَجّ: 78] {يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ
وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ} [البَقَرَة: 185].
فهو الدين الصالح لكل زمان ومكان ولكل حال من الأحوال لأنه تشريع من حكيم
حميد يعلم ما يصلح للبشر، ثم هو تشريع من غفور رحيم يريد أن يخفف عن عباده ولا
يريد أن ينعتهم.
ثم هو مع هذا يريد من عباده أن يترفعوا عن الخبائث ولو جاءت من طريق غير مباشر فنهاهم عن أكل لحوم الجلالة التي تتغذي بالنجاسة ويقاس عليه لحم يأكل الجيف، وحرم بيع الميتة والخمر والخنزير والأصنام ونهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن والسنور وقال إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه فلما كانت هذه المكاسب أثمان أعيان خبيثة محرمة أو في مقابل فعل محرم كانت مكاسب خبيثة لا يجوز