المقدمة
****
خلق الله الإنسان من ضعف كما قال تعالى: {وَخُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ ضَعِيفٗا}[النِّسَاء: 28] فهو ضعيف في بنيته، ضعيف في حواسه، ضعيف في تفكيره، فكان في شدة الحاجة إلى فيض من الله يكسبه قوة على تحصيل ما يسد به حاجته وما ينهض به في حياته ويكسبه معرفة بالوسائل والقوة الكونية التي سخرها الله له واقتدارًا على استخدامها والاستفادة منها في سيادته وإعزاز نفسه والسعادة في الدنيا والآخرة، لذا أمده الله بما يجبر ضعفه، حكمة منه وعدلاً ورحمة منه وفضلاً؛ فسخر له هذه الكائنات يرتفق بها ويستعين بها في مهماته في هذه الحياة، وأدر عليه رزقه ما يقتات به لحفظ حياته وما تلذ به نفسه ويكون عونًا له على نيل متع الحياة، فبهذا الغذاء ينمو الجسم وتتوفر قوته، ثم هذا الجسم بحاجة إلى ما يستر ظاهره ويقيه من البرد والحر، بل هو مع ذلك بحاجة إلى ما يجمل هيئته، وقد أوجد الله له اللباس الذي يكفل له تحقيق هذه الأغراض، وبذلك امتن الله على أبي البشر آدم عليه السلام حينما أسكنه جنته في جملة ما امتن به عليه حيث يقول سبحانه: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعۡرَىٰ ١١٨ وَأَنَّكَ لَا تَظۡمَؤُاْ فِيهَا وَلَا تَضۡحَىٰ ١١٩} [طه: 118-119]، كما امتن على ذريته بتوفير اللباس الذي يسترون به عوراتهم ويجملون به هيئاتهم: {يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ قَدۡ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمۡ لِبَاسٗا يُوَٰرِي سَوۡءَٰتِكُمۡ وَرِيشٗاۖ} [الأعرَاف: 26]، وهكذا نراه يأمرنا باللباس والأكل والشرب من غير سرف حيث يقول سبحانه: {۞يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ ٣١ قُلۡ مَنۡ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيٓ أَخۡرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّيِّبَٰتِ مِنَ ٱلرِّزۡقِۚ قُلۡ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا خَالِصَةٗ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ ٣٢}[الأعرَاف: 31-32].
الصفحة 1 / 246