فمَن
تنقَّصَ نَسَبَ أَخِيهِ، فَإنَّ هَذَا مِن أمُورِ الجَاهِلِيّة، مَعَ أنّه
مُسلِمٌ، فدَلَّ عَلَى أنَّ المُسلِمَ قَد يكُونُ فِيهِ شَيءٌ مِن خِصَالِ
الجَاهِلِيّة، وَدلَّ عَلَى أنْ لَيْسَ مَن كَانَ فِيه خَصلَةٌ مِن خِصَالِ
الجَاهِلِيّة أنَّه يَكُونُ كَافرًا، وَيَكُونُ حُكمُه حُكمُ أَهلِ الجَاهِلِيّة،
بَل إنّه مُسلِمٌ، ولَكنّه عِندَه نَقصٌ مِن حَدِيثِ الاتّصَافِ بِهَذه الصّفَةِ،
فدَلّ عَلَى أنّ أمُورَ الجَاهِلِيّة تَبقَى فيِ النّاسِ، لاَ تَنمَحِي
نِهَائيًّا، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «أَرْبَعٌ
فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، لاَ يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي
الأَْحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَْنْسَابِ، وَالاْسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ،
وَالنِّيَاحَةُ» وَقَالَ: «النَّائِحَةُ
إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا، تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا
سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ، وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ» ([1])،
فهَذِه مِن أمُور الجَاهِلِيّة تُوجَدُ فِي بَعضِ النّاسِ المُسلِمِين، وتُنقِصُ
الإِيمَانَ، لَكنَّها لاَ تُخرِجُ صَاحِبَها مِن الإِسلاَمِ.
وَفِي
هَذَا رَدٌّ عَلَى الخَوَارِجِ، الّذِين يُكفِّرون المسلِمَ بِالذَّنبِ الّذِي دُونَ
الشِّركِ، الخَوَارِجُ يُكفِّرُونَ المُسلِمِين بِالذّنُوبِ الكبَائِرِ الّتِي
دُونَ الشِّركِ، وَهَذا مَذْهبٌ بَاطِلٌ؛ لأنّ المسْلِمَ إنْ كَانَ فِيه كَبِيرةٌ
مِن كبَائِر الذنُوبِ، لَكنَّها دُونَ الشِّركِ والكُفرِ، فَإنَّها لاَ تُخرِجُه
مِن المِلّةِ - هَذَا مَذهبُ أَهلِ السُّنَّةِ والجمَاعَةِ-، وَلاَ تَسلبُهُ
الإِيمَانَ بِالكُليّةِ، بَل يَكونُ عِندَه إيمَانٌ نَاقِصٌ.
يَقُولُون: مُؤمِنٌ بإِيمَانِه، فَاسقٌ بِكَبِيرَتِه. أَو يُعطَى مُطْلَقُ الإِيمَانِ، وَلاَ يُعطَى الإِيمَانَ المُطلَقَ، «الإِيمَانُ المُطلَقُ» أي: الإِيمَانُ الكَامِلُ،
([1]) أخرجه: مسلم رقم (934).