بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:
«أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِاللَّهِ»
وَأَنَّ
المَعْرِفَةَ فِعْلُ القَلْبِ
****
لِقَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى: ﴿وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا
كَسَبَتۡ قُلُوبُكُمۡۗ﴾ [البقرة: 225].
****
قَولُه صلى الله عليه وسلم: «أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِاللَّهِ»، لمَّا
حثَّ النّبيُّ صلى الله عليه وسلم أصْحَابَه رضي الله عنهم عَلَى التَّيسِيرِ،
وَعَدمِ المَشقَّةِ عَلَى أَنفُسِهم فِي العِبَاداتِ، وَأنْ يَقتَصدُوا فِي
العبَادَةِ، ولاَ يَشقُّوا علَى أنفُسِهم، قَالُوا لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم:
نَحنُ بِحَاجةٍ إلَى العبَادَةِ وَالمشَقّةِ، أمَّا أَنتَ، فَقَدْ غَفَرَ اللهُ
لَك مَا تقدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأخَّر، أمَّا نَحنُ، فَلم يُغفرْ لنَا، نَحنُ
بِحَاجةٍ إلَى زِيادَةٍ مِن العبَادَةِ.وَلاَ يرِيدُون التَّيسِيرَ والتّسيِيرَ،
يُرِيدُون أنْ يُتعِبُوا أَنفُسَهم.
فغَضِبَ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: «إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا»، فَدَلَّ علَى أنَّ العِلمَ يتَفَاوتُ، وأنَّ بَعضَ النَّاسِ أَعلَمُ مِن بَعضٍ، وَيَلزَمُ مِن ذَلِك أنَّ الإِيمَانَ - أيضًا - يَتفَاوتُ، وأنَّ بَعضَ النّاسِ أَقوَى إِيمَانًا مِن بَعضٍ، فَأقوَى المسلِمِين إِيمَانًا هُو الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم، ومَعَ هذَا حثَّ علَى التَّيسِيرِ، وَرَغَّبَ فِيهِ، وَنَهَى عَن التشَدُّدِ، وَعَن المشقَّةِ، نَهَى الذِي يَقومُ الّليْلَ كلَّه، وَنَهَى الذِي يصُومُ الدَّهرَ، نَهَاهُم عَن ذَلِك ([1])، وأَمَرَ بِإعطَاءِ النفْسِ شَيئًا مِن الرَّاحَة والمتعَةِ، وعَدَمِ المشَقّةِ عَلَيها؛ لأنَّ العمَلَ اليَسِيرَ معَ المُداوَمَة خَيرٌ مِن العمَلِ الكَثِيرِ الذِي يَنقطِعُ.
الصفحة 1 / 190