قَالَ صلى الله عليه وسلم:
«وَأَنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى
اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ» ([1])؛
شَيءٌ يَسِيرٌ مِن الطّاعَةِ تُدَاوِمُ عَلَيه أَحسَنُ مِن شَيءٍ كثِيرٍ يَنقطِعُ؛
لأنَّ الذِي يَتشدَّدُ ويَشُقُّ علَى نَفسِه لا بدَّ أن يَنقَطعُ؛ لأنّه يُعجِزُ
نَفسَه؛ كالدَّابَةِ إذَا حَمَلَها مَا لاَ تَطِيقُ، عَجَزَت: «إِنَّ الْمُنْبَتَّ لاَ أَرْضًا قَطَعَ،
وَلاَ ظَهْرًا أَبْقَى» ([2])،
المسلِمُ يَشتَغلُ عَلَى نَفسِه، ويُدَاوِمُ عَلَى الطّاعَةِ - وَلَو كَانَت
قَلِيلة-، يقومُ مِن الّليلِ، ويُدَاوِمُ عَلَى هَذَا، يَصُومُ - أيضًا - مِن
التطَوُّعِ، ولاَ يُدَاوِمُ عَلَيه.
الرَّسولُ
صلى الله عليه وسلم كَانَ يصُومُ ويُفطِر، قَالَ: «لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ»، يَصُومُ ويُفطِر، ولاَ يَصُومُ
دَائِمًا، ولاَ هُو يَقُومُ كلَّ الليلِ ولاَ ينَامُ أَبدًا، بَل يَنَامُ ويقُومُ
مِن الليلِ صلى الله عليه وسلم: «وَأُصَلِّي
وَأَرْقُدُ»، وهُو أَفضَلُ الخَلقِ وَأعلَمُ الخَلقِ، فهَذَا يدلُّ علَى أنَّ
مِن الإِيمَانِ أنَّ الإِنسَانَ يتّبعُ اليُسرَ والسهُولُةُ مَعَ نَفسِهِ،
ويداوِمُ علَى العمَلِ الصَّالحِ؛ مَثلاً يقُومُ الليلَ كلَّه، ثمَّ الّليلَةَ
الثَّانِيةَ يَعجَزُ، وَلاَ يَقومُ أبَدًا، يَنَامُ؛ لأنّه مُتعَبٌ، لَو أنَّه
قَامَ مِن الليلِ يَسِيرًا، لَسَهُلَ عَليه المدَاوَمَة علَى قِيامِ الليلِ، هَذَا
شَيءٌ مَعرُوفٌ.
قَولُه رحمه الله: «وَأَنَّ المَعْرِفَةَ فِعْلُ القَلْبِ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتۡ قُلُوبُكُمۡۗ﴾ [البقرة: 225] »، نَعَم «المَعْرِفَةَ فِعْلُ القَلْبِ»، وَهِي مِن الإِيمَانِ، فَالإِيمَانُ لَيْسَ بِاللسَانِ فَقَطْ، الإِيمَانُ يَكُونُ بِاللسَانِِ وبِالقَلبِ وَبِالعمَلِ.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (6464)، ومسلم رقم (783).