قَالَ تعالى: ﴿لَّا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِيٓ أَيۡمَٰنِكُمۡ﴾ [البقرة: 225]، هذَا قَولٌ بِاللسَانِ، ﴿وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا
كَسَبَتۡ قُلُوبُكُمۡۗ﴾
[البقرة: 225]، وَفِي الآيَةِ الأُخرَى: ﴿وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلۡأَيۡمَٰنَۖ﴾ [المائدة: 89]، فَالعمَلُ يكُونُ بِاللسَانِ، ويكُونُ
بالاعتِقَادِ، مَا يكونُ باللسَانِ فَقَط - كمَا هُو قَولُ الكرَّامِية مِن فِرق
المُرجِئة-، الإيمَانُ يكُونُ باللسَانِ، ويكونُ بِالقلبِ، ويكون بِالعمَلِ، لاَ
بدَّ مِن هَذِه الأمُورِ الثَّلاثَةِ.
لمَّا
فَرَغَ رحمه الله مِن ذِكرِ أنَّ الأَعمَالَ مِن الإِيمَانِ، ذَكَرَ أنَّ عمَلَ
القَلبِ - أيضًا - مِن الإِيمَانِ؛ اعتِقَادُ القَلبِ، فَالذِي يَقولُ: إنَّ
الإِيمَانَ بِاللسَانِ فَقَطْ هُم الكَرَّامِيةُ، وَيَلزَمُ علَى هذَا أنَّ
المنَافِقِين مُؤمِنُون، مَعَ أنَّهم: ﴿فِي ٱلدَّرۡكِ ٱلۡأَسۡفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ﴾ [النساء: 145]؛ لأنَّهم يقولونَ بِألسِنَتِهم مَا لَيسَ
فِي قلُوبِهم.
فلاَ
يكفِي اعتقَادُ القَلبِ معَ عدَمِ النطْقِ، وَلاَ يكفِي النطقُ مَعَ عَدمِ عَملِ
القَلبِ، لاَ بدَّ مِن الأَمرَين: «مَنْ
قَالَ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ» ([1])،
مَا اقتَصَرَ صلى الله عليه وسلم على «مَنْ
قَالَ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللَّهُ»، بَل قَالَ صلى الله عليه وسلم: «خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ»، فَلا بدَّ مِن
عمَلِ القَلبِ وإخلاصِ القَلبِ.
ووَجهُ الدِّلالَةِ مِن الآيَةِ ظَاهرٌ: ﴿لَّا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِيٓ أَيۡمَٰنِكُمۡ﴾ [البقرة: 225]، مَا يُؤَاخِذُك اللهُ بِالكلاَمِ بَدُونِ اعتِقَادِ القَلبِ، اليَمِينُ مَا كَانَ عَقدٌ، وَلا يَصِلُ إلَى الكفَّارةِ، إلاَّ إذَا صَحِبَها اعتِقَادٌ بِالقَلبِ، أمَّا مُجرَّدُ اليَمِينِ بِاللسَانِ، فهَذَا يُعتبَرُ مِن الّلغْوِ.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (99).