بَابٌ: مِنَ الدِّينِ الفِرَارُ مِنَ الفِتَنِ
****
قَولُه رحمه الله: «مِنَ الدِّينِ الفِرَارُ مِنَ الفِتَنِ»،
وَالفِتنُ جَمعُ فِتنَةٍ وَهِي: الاختِبَارُ والابتِلاَءُ؛ الاختِبَارُ
والابْتِلاَءُ فِي الدِّينِ؛ يَعنِي: يُضَايقُ مِن الكفّارِ، وَمِن أَعدَاءِ اللهِ
عَلَى دِينِهِ، يُعذّبُ علَى دِينِه، إذَا صَلَّى، إذَا فَعَلَ شَيئًا مِن
الطاعَة، يُعَاقِبونَه؛ لأنَّهم يُريدُونَ مِنه أنْ يَبقَى علَى الكُفرِ،
فَالكفّارُ لاَ يَزَالُونَ إلَى يَومِ القيَامَةِ هذَا دَأبُهم مَعَ المسلِمِين؛
مَعَ أنَّهم لاَ يَألونَهُم خَبَالاً، وَلاَ يَألُونَهم ضَرَرًا أَبدًا.
قَالَ
تعالى: ﴿وَلَا
يَزَالُونَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمۡ عَن دِينِكُمۡ إِنِ ٱسۡتَطَٰعُواْۚ﴾ [البقرة: 217]، وقَالَ تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ
كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَٰبِكُمۡ فَتَنقَلِبُواْ خَٰسِرِينَ﴾ [آل عمران: 149]، فَلا نُحسِنُ الظنَّ بِالكفّارِ
أَبدًا، بل نَعتَبرْهم أعَدَاءً لِلمُسلِمِين، لَكنْ لاَ يَمنَعُ هذَا أنّنَا
نَعقِدُ العهُودَ مَعَهم، وَنَتَعَامَلُ مَعَهم بِالمُبَاحِ، نَبِيعُ وَنَشتَرِي
مَعَهم، لاَ يُمنَعُ هَذَا، وَأنْ نُحسِنَ إلَى مَن لَم يَصدُرْ مِنهُ أذًى إلَى
المُسلِمِين: ﴿لَّا
يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ﴾ [الممتحنة: 8]، لاَ يُمنَعُ هَذَا، تَعَامل مَعَهم
بِحُدُودِ الشَّرعِ، لَيْسَ مَعنَاه إنَّنَا نُقَاطِعُهم نِهَائيًّا، بَل
نَتَعامَلُ مَعَهم فِي المُبَاحِ؛ تَبَادلُ المَصَالِحِ؛ وَلأجلِ كفِّ شَرِّهم عَن
المُسلِمِين، الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم تَعَامَلَ مَعَهُم، عَاهَدَهم،
أَبرَمَ العهُوَد مَعَهُم - كَمَا هُو مَعلُومٌ-، إنَّما الكَلامُ عَلَى أنَّنا
لاَ نودهم فِي القلُوبِ وَهُم كُفَّارٌ؛ لأنَّهم أَعدَاءُ اللهِ، فَنَحنُ
نُبغِضُهم، وَلَكنْ نَتَعَامَلُ مَعَهُم فِي تَبَادُلِ المصَالِحِ، وَلاَ نَقتلُ
المُعَاهَدَ، وَلاَ المُستَأمَنَ، وَلاَ نَعتَدِي عَلَيه،
الصفحة 1 / 190