ولما أسلم سعد بن عِبَادَة رضي الله عنه وكان
بارًّا بوالدته، وكانت كَافِرة في أول الأمر، فقالت له: «لَتَدَعَنَّ دِينَكَ هَذَا، أَوْ لاَ آكُلُ، وَلاَ أَشْرَبُ، حَتَّى
أَمُوتَ، فَتُعَيَّرَ بِي، فَيُقَالَ: يَا قَاتِلَ أُمِّهِ»، فقال سعد: «لاَ تَفْعَلِي يَا أُمَّهْ، إِنِّي لاَ
أَدَعُ دِينِي هَذَا لِشَيْءٍ»، فمكثت ثلاثة أيام لا تأكل ولا تشرب حتَّى اشتد
جهدها، فلما رأى سعد ذلك منها قال: «يَا
أُمَّهْ! تَعْلَمِينَ وَاللَّهِ لَوْ كَانَ لَكِ مِائَةُ نَفْسٍ، فَخَرَجَتْ
نَفْسًا نَفْسًا، مَا تَرَكْتُ دِينِي. إِنْ شِئْتِ فَكُلِي أَوْ لاَ تَأْكُلِي؟
فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ أَكَلَتْ» ([1])،
ثم مَنَّ الله عليها بالإِسْلام فأسلمت، ولما ماتت سأل سعد رضي الله عنه هل يتصدق
عنها؟ قال: «نَعَمْ تَصَدَّقْ عَنْهَا»
([2]).
فهذه
قواعد الإِسْلام، وهكذا ينبغي أن يُفهم الدِّين، ولا يُؤخذ بالعاطفة أو الغيرة
الشَّدِيدة أو الجَّهل، إنما يُؤخذ بالعلم والمعرفة.
وكانت
وفود الكفَّار تَفِد إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم في المَدينَة، حتَّى دخلوا
عليه في المسجد وتفاوضوا معه، فما ردهم الرَّسُول صلى الله عليه وسلم، بل كان
يتفاوض مع رسل الكفَّار ([3]).
فهذه أُمُور يجب على طلبة العلم أن يفهموها، ولا يأخذوا الوَلاء والبَراء عن جهل، وهذا هو الطرف الأول؛ طرف الجُهَّال المُغَالين في الوَلاء والبَراء، حتَّى أدخلوا فيهما ما ليس منهما.
([1]) أخرجه: الترمذي رقم (3189)، وأحمد رقم (1567).