وهكذا الفتن إذا جاءت قل من ينجو منها، وقل من
يسلم منها، ولم يثبت إلا أَهل الإِيمَان والصدق على ما أصابهم من القرح والقتْل،
لكنهم صبروا حتَّى قيَّض الله لهم من قام بالأَمر بعد النكبة، وهو الإمام تركي بن
عبْد اللهِ رحمه الله وأتاهم الفرج، وعادت لهم عزتهم ودولتهم، ورد الله الأَعدَاء
عنهم، فكان لهم ذلك بالصبر والثبات، فهذا الغرض من كتابة هذه الرِّسَالة.
ثم
ذكر الأدلة على هاتين المسألتين.
وقال: «قد أجمع العُلمَاء على أن من تكلم بالكُفْر هازلاً أنه يكفر»؛ لأن الله جل وعلا حكم على من قال الكُفْر هازلاً يعني مازحًا، فمن قال الكُفْر من غير إِكرَاه، ولكنه قاله مِن بَابِ التندر والضحك فإنه يكفر، وهذا كالذي حصل من المستهزئين في عهد النبوة؛ حيث قالوا: «ما رأينا مثل قرائنا هَؤُلاءِ أرغب بطونًا، ولا أكذب ألسنة، ولا أجبن عند اللقاء» ([1])، ويعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فأنزل الله جل وعلا فيهم: ﴿وَلَئِن سَأَلۡتَهُمۡ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلۡعَبُۚ قُلۡ أَبِٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ وَرَسُولِهِۦ كُنتُمۡ تَسۡتَهۡزِءُونَ ٦٥لَا تَعۡتَذِرُواْ قَدۡ كَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡۚ إِن نَّعۡفُ عَن طَآئِفَةٖ مِّنكُمۡ نُعَذِّبۡ طَآئِفَةَۢ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ ٦٦﴾ [التوبة: 65، 66]، وهذا يدلُّ على أنهم كانوا مُؤْمِنين من قبل وليسوا منافقين؛ لأن المُنَافقِين قال الله فيهم: ﴿وَكَفَرُواْ بَعۡدَ إِسۡلَٰمِهِمۡ﴾ [التوبة: 74]، ولكن هَؤُلاءِ قال فيهم:
([1]) أخرجه: الطبري في ((تفسيره)) (10/ 172)، وابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (6/ 1829)، والطبراني في الكبير (173).