أما إنهم يتركونه يصلى
ويصوم هذا ليس إِظهَارًا للدين؛ لأن هذا العَمَل لا يتعدَّى نفعه صاحبه، والواجب
نشر الإِسْلام والدَعْوة إلى الإِسْلام، ولا يكفي أن يقتصر المسلم على نفسه، فإذا
كان لا يتمكن من ذلك وجبت عليه الهِجرَة، وهي الانتقال من بلد الشِّرك إلى بِلاَد
الإِسْلام فرارًا بدينه؛ كما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكَّة
إلى المَدينَة، وتخلَّف أناس في مكَّة وهم مُسلِمُون، تركوا الهِجرَة وبَقَوا في
مكَّة تحت ولاية وسلطة الكفَّار، فلما حصلت غزوة بدر - وهي أول غزوة في الإِسْلام
- خرج المُشْركون بهَؤُلاءِ المُسْلمين إلى بدر، فأجبروهم على الخروج، ولا نقول:
إن هذا مِن بَابِ الإِكرَاه؛ لأنهم هم السَّبب، لماذا جلسوا حتَّى تمكَّن
المُشْركون من إِجبَارهم؟ وكان الواجب عليهم أن يهاجروا مع إخوانهم، أما إنهم
بَقَوا حتَّى تسلَّط المُشْركون عليهم وخَرجُوا بهم قهرًا، فهم السَّبب في هذا،
فقُتل هَؤُلاءِ المُسلِمُون في بدر، وتأسَّف الصَّحابَة على قتل إخوانهم لما علموا
بذلك، فأنزل الله هذه الآيات ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ﴾
[النساء: 97] ملائكة الموت، ومعنى ﴿تَوَفَّىٰهُمُ﴾ تقبض أرواحهم؛ لأن
الإِنْسَان إذا حانت وفاته وانتهى أجله نزلت ملائكة من السماء لقبض روحه من جسده،
ومَعهُم رئيسهم ملك الموت، وهم أعوانٌ له؛ لأن الله جل وعلا قال: ﴿قُلۡ يَتَوَفَّىٰكُم مَّلَكُ ٱلۡمَوۡتِ﴾ [السجدة: 11]، وقال: ﴿تَوَفَّتۡهُ رُسُلُنَا﴾ [الأنعام: 61]، وقال: ﴿وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ﴾
[الأنفال: 50]، فتارة أضاف التوفي إلى ملك الموت، وتارة أضافه إلى المَلائكَة،
والجمع