×

والله سُبحَانَه رخَّص لمن أكره أن يتخلص من الإِكرَاه، وقد مر معنا أن هذه الآية نزلت في عمار بن ياسر رضي الله عنه لما أخذه الكفَّار وعذبوه ولم يطلقوه إلا أن يسب الرَّسُول صلى الله عليه وسلم ويذكر آلهتهم بخير، فمن أجل دفع شرهم سب الرَّسُول صلى الله عليه وسلم، فأطلقوه، فندم على ما حصل منه، وخاف من الله جل وعلا فلما أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال له: «مَا وَرَاءَكَ؟» قَالَ: شَرٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تُرِكْت حَتَّى نِلْت مِنْك، وَذَكَرْت آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ، قَالَ: «فَكَيْفَ تَجِدُ قَلْبَك؟»، قَالَ: مُطْمَئِنًّا بِالإِْيمَانِ، قَالَ: «فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ» ([1]).

وهذه رخصة باقية وعامة لكل من وقع في مثل حالة عمار رضي الله عنه، فله أن يتخلص من الإِكرَاه بالمُوافقَة في الظَّاهِر لا بالبَاطِن، وهذا كقوله تعَالى: ﴿لَّا يَتَّخِذِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَلَيۡسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيۡءٍ إِلَّآ أَن تَتَّقُواْ مِنۡهُمۡ تُقَىٰةٗۗ [آل عمران: 28] تقاةً في الظَّاهِر، فآية آل عمران مثل آية النحل سواءً بسواء في إباحة التخلص من الإِكرَاه، ومُوافقَة الكَافِرين في الظَّاهِر دون البَاطِن؛ لأجل التخلص من الإِكرَاه مع البقاء على الإِيمَان.

ثم قال جل وعلا: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَسَمۡعِهِمۡ وَأَبۡصَٰرِهِمۡۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡغَٰفِلُونَ [النحل: 108]، والطبع على القلب: معناه أن يُختم على القلب فلا يقبل الهدى بعد ذلك، وهذه عقوبة شنيعة والعِيَاذ باللهِ، فالمرتد إذا لم يتب إلى الله فإن الله يطبع على قلبه، فلا يَقْبَل الهُدَى بعد ذلك عقوبةً له،


الشرح

([1])  أخرجه: الحاكم رقم (3362).