قوله: «ولو كان أقرب قريب» وليس أحد أقرب من
الآباء والأبناء والإخوة والعشيرة؟
قوله:
«وأن هذا منافٍ للإِيمَان مضاد له»؛ كما
قال تعَالى: ﴿لَّا
تَجِدُ قَوۡمٗا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ﴾ [المجادلة: 22] فإن احتج أحدٌ وقال: هَؤُلاءِ أقاربي
وذوي أَرحَامي. فالله جل وعلا يقول: ﴿لَن تَنفَعَكُمۡ أَرۡحَامُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡۚ
يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَفۡصِلُ بَيۡنَكُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ﴾ [الممتحنة: 3]، فيوم القيَامَة ليس فيه أَرحَام ولا
أَولاَد، كلٌّ ليس له إلا عمله، قال تعَالى: ﴿يَوۡمَ يَفِرُّ ٱلۡمَرۡءُ مِنۡ أَخِيهِ ٣٤وَأُمِّهِۦ
وَأَبِيهِ ٣٥وَصَٰحِبَتِهِۦ وَبَنِيهِ ٣٦﴾
[عبس: 34، 36]، كلٌّ مشغول بنفسه، وقال تعَالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلَآ أَنسَابَ بَيۡنَهُمۡ
يَوۡمَئِذٖ وَلَا يَتَسَآءَلُونَ﴾
[المُؤْمِنون: 101]، ليس لك في الآخِرَة إلا عملك، ولا أحد يعطيك حسنة واحدة ولو
كان من أقرب النَّاس إليك، فلا ينفعك القريب يوم القيَامَة؛ ولهذا قال تعَالى: ﴿لَّا تَجِدُ
قَوۡمٗا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ﴾
[المجادلة: 22] نص على اليوم الآخر؛ لأنه لا تنفع فيه القرابة، وإنما كلٌّ لا
ينفعه أو يضره إلا عمله، قال إِبرَاهِيم عليه السلام: ﴿يَوۡمَ لَا يَنفَعُ مَالٞ وَلَا بَنُونَ ٨٨إِلَّا مَنۡ أَتَى
ٱللَّهَ بِقَلۡبٖ سَلِيمٖ ٨٩﴾
[الشعراء: 88- 89].
قوله:
«هذا منافٍ للإِيمَان مضاد له» بدليل
قوله تعَالى: ﴿لَّا
تَجِدُ قَوۡمٗا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ يُوَآدُّونَ مَنۡ
حَآدَّ ٱللَّهَ﴾
[المجادلة: 22] هذا إخبار من الله أن هذا الشيء لا يوجد مع وجود الإِيمَان
الصَّحِيح، وإذا أخبر الله عن شيء أنه لا يوجد، فإنه لا يوجد أبدًا، فدل على أنهما
متنافيان متضادان، مثل ما يتضاد الماء والنَّار، فالماء يطفئ النَّار ولا يجتمعان؛
ولهذا قال: «مضاد له».