وأهل الكوفة في باب الأشربة مخالفون لأهل المدينة ولسائر الناس ليست الخمر
عندهم إلا من العنب ولا يحرمون القليل من المسكر إلا أن يكون خمرًا من العنب أو أن
يكون من نبيذ التمر أو الزبيب النيئ أو يكون من مطبوخ عصير العنب إذا لم يذهب وهم
في الأطعمة في غاية التحريم حتى حرموا الخيل والضباب وقيل: إن أبا حنيفة يكره الضب
والضباع ونحوها.
فأخذ أهل الحديث في الأشربة بقول أهل المدينة وسائر أهل الأنصار موافقة
للسنة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في التحريم وزادوا عليهم في
متابعة السنة، وأخذوا في الأطعمة بقول أهل الكوفة لصحة السنن عن النبي صلى الله
عليه وسلم بتحريم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير وتحريم لحوم الحمير.
لكن لم يوافق أهل الحديث الكوفيين على جميع ما حرموه بل أحلوا الخيل لصحة
السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم بتحليلها يوم خيبر، وبأنهم ذبحوا على عهد النبي
صلى الله عليه وسلم فرسًا وأكلوا لحمه، وأحلوا الضب لصحة السنن عن النبي صلى الله
عليه وسلم بأنه قال: «لا أحرمه» وبأنه
أكل على مائدته وهو ينظر ولم ينكر على من أكله وغير ذلك مما جاءت فيه الرخصة.
فنقصوا عما حرمه أهل الكوفة من الأطعمة كما زادوا على أهل المدينة في
الأشربة.
فزادوا عليهم في متابعة السنة، حتى إن الإمام أحمد حرم العصير والنبيذ بعد ثلاث وإن لم يظهر فيه شدة، متابعة للسنة المأثورة في ذلك لأن الثلاث مظنة ظهور الشدة غالبًا -فأقيمت مقامه- وحتى إنه كره الخليطين ([1])
([1])الخليطان ما ينبذ من البسر والتمر معًا أو من العنب والزبيب أو من الزبيب والتمر ونحو ذلك مما ينبذ مختلطًا، وإنما نهى عنه لأن الأنواع إذا اختلفت في الانتباذ كانت أسرع للشدة والتخمير/النهاية في غريب الحديث ص(63) ج(2).