يقتضى حكمًا زائدًا على
التقييد وأن معارضة المطلق للمقيد إنما هو من باب دليل الخطاب والمطلق عام والعام
أقوى من دليل الخطاب قضى بالمطلق على المقيد وقال يحرم قليل الدم وكثيره» أ. هـ.
وفي هذا الذي قاله نظر فإنه مخالف لما أثر عن السلف من عملهم بمفهوم الآية
كما نقلنا من ابن جرير من عباراتهم في ذلك ويؤيد حكم: القرطبي للإجماع على ذلك قول
شيخ الإسلام ابن تيميه ([1]): «وقد ثبت أنهم -
أي الصحابة: كانوا يضعون اللحم بالقدر فيبقى الدم في الماء خطوطًا، وهذا لا أعلم
بين العلماء خلافًا في العفو عنه وأنه لا ينجس باتفاقهم وقال أيضًا ([2]): «بل غسل لحم
الذبيحة بدعة فما زال الصحابة رضي الله عنهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم
يأخذون اللحم فيطبخونه ويأكلونه بغير غسله وكانوا يرون الدم في القدر خطوطًا وذلك
أن الله إنما حرم عليهم المسفوح أي المصبوب المهراق، فأما ما يبقى في العروق فلم
يحرمه ولكن حرم أن يتبعوا العروق كما تفعل اليهود الذين بظلم منهم حرم الله عليهم
طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرًا» أ.هـ، وبهذا يظهر قوة القول بإباحة
غير المسفوح.
يقول ابن رشد في تحديد ما يحرم من الدم في بداية المجتهد ([3]): «والسفح المشترط في حرمية الدم إنما هو الذي يسيل عند التذكية من الحيوان الحلال الأكل وأما أكل دم يسيل من الحيوان الحي فقليله وكثيره حرام، وكذلك الدم من الحيوان المحرم الأكل وإن ذكي فقليله وكثيره حرام» أ.هـ، وهذا تفصيل جيد مفاده: أن الدم حرام إلا ما كان غير مسفوح من حيوان
([1])مجموع الفتاوى ص(524) ج (21).