كما عاب على أهل الجاهلية الذين استباحوا الميتة التي حرمها الله وحرموا
أنواعًا من بهيمة الأنعام التي أباحها الله تقليدًا لآبائهم وأتباعًا لأهوائهم حيث
يقول سبحانه: {مَا جَعَلَ ٱللَّهُ
مِنۢ بَحِيرَةٖ وَلَا سَآئِبَةٖ وَلَا وَصِيلَةٖ وَلَا حَامٖ وَلَٰكِنَّ ٱلَّذِينَ
كَفَرُواْ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۖ وَأَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ
١٠٣ وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ
قَالُواْ حَسۡبُنَا مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ
ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ شَيۡٔٗا وَلَا يَهۡتَدُونَ ١٠٤} [المَائدة: 103-104].
روى البخارى في صحيحه ([1])عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ قَالَ: «الْبَحِيرَةُ: الَّتِى يُمْنَعُ دَرُّهَا لِلطَّوَاغِيتِ
فَلاَ يَحْلُبُهَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، وَالسَّائِبَةُ: كَانُوا يُسَيِّبُونَهَا
لآلِهَتِهِمْ لاَ يُحْمَلُ عَلَيْهَا شَىْءٌ، وَالْوَصِيلَةُ: النَّاقَةُ
الْبِكْرُ تُبَكِّرُ فِى أَوَّلِ نِتَاجِ الإِبِلِ ثُمَّ تُثَنِّى بَعْدُ
بِأُنْثَى وَكَانُوا يُسَيِّبُونَهُمْ لِطَوَاغِيتِهِمْ إِنْ وَصَلَتْ
إِحْدَاهُمَا بِالأُخْرَى لَيْسَ بَيْنَهُمَا ذَكَرٌ، وَالْحَامِ: فَحْلُ الإِبِلِ
يَضْرِبُ الضِّرَابَ الْمَعْدُودَ فَإِذَا قَضَى ضِرَابَهُ وَدَعُوهُ
لِلطَّوَاغِيتِ وَأَعْفَوْهُ مِنَ الْحَمْلِ فَلَمْ يُحْمَلْ عَلَيْهِ شَىْءٌ
وَسَمَّوْهُ الْحَامِىَ». أ. هـ.
«وهذه أمور كانت في الجاهلية فأبطلها الإسلام، كانوا يحرمون من أنعامهم على أنفسهم ما لم يحرمه الله إتباعًا منهم لخطوات الشيطان فوبخهم الله تعالى ذكره بذلك وأخبرهم أن كل ذلك حلال فالحرام من كل شيء عندنا ما حرم الله تعالى ذكره ورسوله صلى الله عليه وسلم والحلال منه ما حلله الله ورسوله كذلك» ([2]) وتشريع الجاهلية في كل زمان ومكان في هذا وفي غيره تشريع يبني على إتباع الهوى والتقليد الأعمى ويبتعد كل الابتعاد عن الوحي المنزل: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى
([1])ص(283) ج(8) فتح الباري.