وَقَد عدَّ النّبيُّ صلى الله عليه وسلم هَذَين
الأَمرَين مِن الإِسلاَمِ، فدلَّ علَى أنَّ الأَعمَالَ دَاخِلةٌ فِي مسمَّى
الإِيمَانِ.
قَولُه:
«وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى
اللهُ عَنْهُ»: أَصلُ الهِجرَةِ التَّركُ، تَركُ الشَّيءِ هَجْرٌ لَه، هَذَا
فِي اللغَة ([1])،
قَالَ تَعَالَى: ﴿وَٱلرُّجۡزَ
فَٱهۡجُرۡ﴾ [المدثر: 5]، الرُّجْزُ:
الأَصنَامُ، وَاهجُر يَعنِي: اتْرُكهَا، الهِجرَةُ في الّلغةِ أَصلُها التَّركُ.
وأمَّا فِي الشَّرعِ: فَالهِجرَةُ هِي الانتِقَالُ مِن بَلدِ الكفرِ إلَى بَلدِ الإِسلاَمِ فِرَارًا بِالدِّينِ، المُسلِمُ يُهَاجِرُ مِن بَلدِ الكُفرِ إلَى بَلدِ الإِسلاَمِ مُحَافظَةً عَلَى دِينِه، وَهِي مِن أَفضَلِ الأَعمَالِ، وَهِي قَرِينةُ الجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ، والمُهَاجرُ يَشمَلُ مَن تَرَكَ الوَطنَ فَارًّا بِدِينِه، وَيَشمَلُ تَركَ الأَشيَاءِ الضَّارَّةِ كلِّها؛ مِن هَجرِ مَا نهَى اللهُ عنْهُ أيْ: تَرَكَه، فَالهِجرَةُ بِمَعنَاهَا العَامّ تَشمَلُ تَركَ كلِّ قَبِيحٍ وَكلّ مُنكرٍ، ولَيْسَت مَقصُورةً علَى تَركِ الوَطنِ والفِرارِ بِالدِّينِ، نَعَم هَذا مِن أفضَلِ أَنوَاعِ الهِجرَةِ، وَلكِنْ لَيْسَت الهِجرَةُ مَحصُورةً فِيه، فيَكفِي أنَّك تهَاجِرُ مِن بَلدِ الكُفرِ إلَى بَلدِ الإِسلاَمِ، وَتترُكُ وَطنَ الكُفرِ، مَا يَكفِي هَذَا حتَّى تَترُكَ كلَّ مَا نَهَى اللهُ عَنْه، كلَّ مَا نَهَى اللهُ عَنْه تَترُكُه إلَى فِعلِ الطَّاعَةِ؛ «المُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ».
([1]) انظر: النهاية في غريب الأثر (5/ 243)، ولسان العرب (5/ 250)، ومختار الصحاح (ص: 288).
الصفحة 3 / 190